السودان اغتيال إنسانية الإنسان

السودان... اغتيال إنسانية الإنسان

السودان... اغتيال إنسانية الإنسان

 لبنان اليوم -

السودان اغتيال إنسانية الإنسان

بقلم:بكر عويضة

خلال الأسبوع الماضي، تراجعت حرب بنيامين نتنياهو الهمجية ضد شعب قطاع غزة من الصفوف الأمامية لمواقع وشاشات الأنباء العالمية، وأفسحت المجال أمام حرب السودان الأهلية كي تحتل الموقع المتقدم عليها من حيث الاهتمام العالمي، على المستويين، السياسي أولاً، ثم الإعلامي. الواقع أن الحربين كِلتيهما، رغم تباعد الموقع الجغرافي، يجمعهما قاسم مشترك يختزل ما حدث خلالهما طوال عامين، ولم يزل يحدث، بالقول إنه اغتيال سافر في رابعة النهار لإنسانية الإنسان. بالطبع، ثمة فارق صارخ في الحالتين يتمثل في أن تجويع أطفال غزة وقتلهم، جريا بأيدي محتل لأرضهم، بينما جُوِّع أطفال سودانيون وقُتِلوا، وكذلك أمهات وآباء وشيوخ مُسِنون، بأيدٍ سودانية. لئن أغمض المُتغافلون أعينَهم، بِقَصد غض النظر المُتَعَمَد، فإن التاريخ لن يَغفل عما يرتكب بعض البشر من الفظائع ضد بشر آخرين. إنما، سوف يبقى سؤال محيّر يبحثُ عن جواب مُقنع؛ لماذا يحدث كل هذا القتل والتدمير والتجويع والتهجير وتشتيت شمل الناس، سواء في السودان، أو بأي مكان؟

ربما يسارع البعض إلى القول: فتش عن الجشع، فالجواب يكمن في هذا الداء. صحيح. ففي بقاع عدة من الأرض، انفجر في مختلف الأزمان أكثر من صراع بين دول متجاورة، ونشبت حروب بين جيوش، بسبب الطمع في الثروات الطبيعية. إنما الأرجح أن الأسباب لن تقتصر على الأطماع وحدها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالحروب الأهلية، كما هو حاصل الآن في السودان، وكذلك في ليبيا، وكما وقع سابقاً من حروب في بلدان كثيرة، ولا تزال آثارها ماثلة للعِيان؛ من لبنان وسوريا والعراق، إلى الصومال ونيجيريا ورواندا، وصولاً إلى قبرص وإسبانيا وكمبوديا، على سبيل المِثال لا الحصر. الحروب الداخلية التي تقسم ظهور المجتمعات، يوقد شراراتِها في أغلب الحالات التقاء تضخم «أنا» الذات، أو الـ«EGO»، لدى شخص متمكن، مع حسابات أطراف خارجية يهمها تمديد مناطق نفوذها، بلا اعتبار للثمن الفادح الذي سوف يُدفع من جانب أبرياء الناس. غزة ذاتها شهدت الشيء ذاته، عندما انتفخت أنانية «الأنا» الفصائلية في تفكير قيادات «حماس»، أشخاصاً، فأوصلت إلى الانقسام، ومن ثم سمحت لقيادات «كتائب القسام» أن تُقدم على هجوم «طوفان الأقصى».

ثمة أكثر من مبرر للمقارنة بين فظائع حربي قطاع غزة والسودان. ومع أن غزة يكاد يصح فيها القول إنها قد مُسِحت عن سطح المعمورة، فإن مآسي الحرب السودانية ليست هينة. يكفي استحضار حقيقة أن اثني عشر مليون طفل سوداني تحت سن الخامسة يعانون سوء التغذية. ويكفي تذكر أن عدد القتلى فاق المائة والخمسين ألفاً حتى الأسبوع الماضي، وأن أعداد النازحين طلباً للنجاة، أو الذين أجْبِروا على النزوح، تجاوزت الاثني عشر مليوناً. وإذا كان هذا كله جرى لأبرياء سودانيين، كما أشرتُ من قبل، بأيدٍ سودانية، فبماذا يوصف سوى أنه اغتيال لإنسانية الإنسان؟ واضح، بالطبع، وجود أصابع أطراف خارجية أسهمت في تفجير حرب السودان الأهلية، ولا تزال تغذي أوارها. لكن هذا لن يبرر لأي طرف سوداني خطيئة الانزلاق وراء أي من تلك الأطراف.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان اغتيال إنسانية الإنسان السودان اغتيال إنسانية الإنسان



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon