2050 وكوارثها

2050 وكوارثها

2050 وكوارثها

 لبنان اليوم -

2050 وكوارثها

بكر عويضة
في الحسابات الآنية، قد تبدو سنة 2050 موغلة في البعد، لكنها واقعيًا تقف على أبواب الغد الأقرب مما يتصور كثيرون. ويا له من غدٍ. شاءت الأقدار أن يتصادف الأسبوع الأول لعرض فيلم «نوح» مع إعلان تقرير عرض مخاطر جمة تنتظر البشرية بفعل تصاعد الاحتباس الحراري خلال العقود الثلاثــــــة المقبلة. طوفان نوح، عليه السلام، يشكل واحدة من قصص عدة للأنبياء أوردتها الكتب السماوية للتدليل على غضب الخالق، عزّ وجل، إزاء عصيان المخلوق لما أتى به الرسل من خير للناس أجمعين. يؤدي الممثل النيوزيلندي راسِل كرو إلى جانب البريطانية إيما واتسون، الدور الرئيس في فيلم ملحمي للمخرج الأميركي دارِن آرونوفسكي، عن قصة قوم ضمن أقوام كثر بين البشر سبقونا قبل مئات القرون، فعاثوا في الأرض فسادًا، بدل أن يعمروها، غير مدركين خطر عبث الإنسان بقوانين يدرك العقل المبصر بالفِطرة أنها تحكم موازين الطبيعة، فتفصل في كل سلوك، فردي أو جمعي، بين خير يبني وشر يهدم. على الرغم مما حقق بنو آدم وحواء من تقدم علمي مذهل أولجهم مجالات تفوّق وريادة تفوق توقعاتهم، إنْ فوق اليابسة، أو في آفاق الفضاء، وبأعماق البحار والمحيطات والأنهار، ها هو العلم، وفق تقرير أعده علماء ينتمون لعدد من الدول، يقول الآن كلمته فيما ينتظر سكان الكوكب من حروب وكوارث نتيجة ارتفاع متصاعد لدرجة حرارة الأرض، الذي هو واحدة من نتائج عدم الاكتراث لتأثير الإسراف في التنعّم بكثير مما وفرت وسائل الحياة العصرية، عبر الاستفادة من تقنيات العلم أيضا. واحد من أجراس الخطر، التي يصدع بها التقرير، يلفت النظر إلى ارتفاع عدد سكان مدن العالم الذين يعانون نقصًا في مياه الشرب من خمسين مليونًا الآن إلى مليار مع حلول سنة 2050، ما يعني خطر اندلاع حروب مياه، ليس بين الدول فقط، إنما أيضا احتمال وقوع حروب مياه أهلية بين مدن داخل الدولة الواحدة. وبسبب تراجع محاصيل زراعية بينها الذرة الصفراء والقمح والأرز بنسبة خمسة وعشرين في المائة، ينبه التقرير إلى خطر إضافة خمسة وعشرين مليون طفل تحت الخمس سنوات إلى أعداد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية. وهناك أمراض قاتلة، يُفترض أن العلم نجح على الأقل في محاصرتها، مثل الكوليرا والملاريا، يتوقع التقرير أن يتسع انتشارها في الدول الفقيرة. ثم إن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، دولًا وأفرادًا داخل المجتمع الواحد، محصلة متوقعة لمجمل تلك التغيرات، والنتيجة المحتملة – لم ينص عليها التقرير، إنما يمكن تصوّرها - تزايد حالات الاحتقان الاجتماعي وما يتولد عنها من صدامات عنفية، حتى في الدول الغنية. هل من عجب، إذنْ، إذا رفع علماء بمكانة واضعي التقرير الصوت عاليًا، استنادًا إلى أكثر من 12 ألف دراسة علمية، منبهين الناس أجمعين إلى أن خطر الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة «يهدد صحتنا ومنازلنا وغذاءنا وأمننا»؟ كلا، بل إن راجندرا باشوري (Rajendra Pachuri)، رئيس لجنة الخبراء الحكوميين المختصة بالتغير المناخي (Intergovernmental Panel on Climate Change)، أكد في مؤتمره الصحافي (الاثنين الماضي) أنْ لا أحد بمأمن إزاء الخطر المقبل. بالتأكيد، تتحمل الدول الصناعية النصيب الأكبر من مسؤولية الاحتباس الحراري الناشئ عن ارتفاع نسبة غازات الكربون المحتبسة (heat - trapping gases, such as carbon dioxide)، وتأتي الصين في المرتبة الأولى، تليها الولايات المتحدة والهند، ومن ثم فهي أولى بالمبادرة لاتخاذ خطوات فاعلة لمواجهة خطر يهدد مستقبل البشرية بأكملها، مع ذلك فإن ما تفعله أقل بكثير مما يجب. يبقى أن صيحة التحذير من حروب 2050 وكوارثها المتوقعة تنطلق بينما تتسع رقعه الحروب الأهلية في مناطق عدة، خصوصًا منطقة قلب العالم القديم، حيث منطلق الحضارات الأولى في التاريخ، ومهد الديانات السماوية، التي باسمها تراق دماء وتُزهق أرواح، على نحو يرفضه كل منطق سوي. ترى، بعد ثلاثة عقود وست سنوات، أين ستكون كل هذه القوى المتصارعة الآن لتحقيق مكاسبها، التي ليست تعني أحدًا غيرها، على حساب مستقبل الأبرياء؟ هل تكون اندثرت بعد ما سادت همجيتها بعض الوقت، أم أن ما يشبهها سيحل بعدها ليتحكم بمصائر أناس يعانون الفاقة والجوع والتشرد، سواء نتيجة أفعال من يحكمونهم، أو بفعل ما ستحمله كوارث مجاعات وفيضانات، قد تكون أفظع في تأثيرها من طوفان زمن قوم نوح وما حل بهم؟
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2050 وكوارثها 2050 وكوارثها



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon