سمات النظام الدولي

سمات النظام الدولي

سمات النظام الدولي

 لبنان اليوم -

سمات النظام الدولي

عمار علي حسن

لا يمنع اختلاف الآراء حول ماهية النظام الدولى السائد حالياً، والأوزان النسبية للقوة فيه من وجود اتفاق بين كافة الأدبيات السياسية حول بعض خصائصه، التى يمكن ذكرها على النحو الآتى:

1- هو نظام يقوم على معطيات الثورة الصناعية الثالثة التى تعتمد على حدوث طفرة هائلة فى مجال المعلومات والتدفق اللانهائى للمعرفة بشتى ألوانها، الأمر الذى وضع دولاً غربية فى مرحلة «ما بعد الحداثة»، بينما لا تزال دول فى العالم الثالث تجاهد من أجل الخروج من إسار التقليدية إلى التحديث، بمختلف جوانبه الاقتصادية والفكرية والاجتماعية. وهذه الفجوة أو هذا الاختلال بين قدرات الدول، جعل النظام الدولى الجديد، يحمل فى باطنه اتجاهاً قوياً إلى التقليل من انتشار القوة. بل إن هذه القوة بدأت تنحسر بحيث تصبح فى نهاية المطاف محصورة فى دولة كبرى مركزية، هى الولايات المتحدة، لا تحتاج إلى شركاء أكفاء، بل إلى متعاونين أو تابعين.

2- غياب المعسكر الاشتراكى، وبروز النزعة العسكرية الأمريكية، حيث انهار الاتحاد السوفيتى، وتساقطت النظم الاشتراكية فى أوروبا الشرقية، الواحد تلو الآخر. وعلى الرغم من أن بعض الأحزاب اليسارية فى هذه الدول قد كسبت عدة جولات انتخابية، سواء على مستوى المحليات أو الانتخابات التشريعية، وحدث الشىء نفسه فى بلدان عديدة من أوروبا الغربية، فإن «الاشتراكيين الجدد»، يختلفون كثيراً فى نواح عديدة عن الاشتراكيين القدامى، فيما يخص التأثير على التوازن الدولى، فحكومات الأحزاب اليسارية هذه، لم يعد من أهدافهم الملحة العمل فى الساحة الدولية ضد المصالح الأمريكية، وحتى لو أرادت فإن السياق الذى تعمل فيه لن يسمح لها بذلك.

3- بروز التكتلات الاقتصادية الدولية الكبرى، مثل الجات ومنظمة شمال أمريكا والتجمع الاقتصادى لدول البحر الباسفيكى والآسيان والجماعة الأوروبية.

4- انطلاق ثورة فى مجال الاتصالات حولت العالم إلى قرية عالمية «Global Village»، وأعادت النظر فى بعض المفاهيم السائدة فى حقل العلاقات الدولية، مثل «سيادة الدولة»، فالأقمار الاصطناعية تجوب الفضاء، وتكشف كثيراً مما كانت تعتبره الدول فى الماضى أسراراً. وشبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» لا تتوقف عن ضخ الكثير مما كانت الأنظمة الحاكمة فى بعض الدول تتعمد حجبه عن شعوبها. وشبكات التلفاز الفضائية تلاحق الناس فى كل مكان بالأخبار والتحليلات والبرامج عن مختلف القضايا، الأمر الذى يندرج فى سياق العولمة، التى تعنى تفاعلاً على مستوى عال بين البشر فى مواقع متفرقة، ليس بمفهومها الجغرافى فحسب، بل بالمعنى السياسى والاجتماعى أيضاً.

5- بروز قضايا جديدة على «الأجندة» الدولية، مثل تلوث البيئة وتعاطى المخدرات ونشوب النزاعات المسلحة المحدودة والهجرات المنظمة من الجنوب إلى الشمال. وبعد الحادى عشر من سبتمبر تصدرت قضية «مكافحة الإرهاب الدولى» جدول أعمال غالبية، إن لم يكن جميع، المؤتمرات الإقليمية والدولية.

6- تهميش العالم الثالث بفعل تمكن الثورة الصناعية فى الغرب من إيجاد بدائل لبعض المواد الخام التى تنتجها الدول النامية، والضغوط التى مورست من أجل إقرار اتفاقية منظمة التجارة العالمية التى من شأنها أن تضعف، إن لم تقض، على التجارب الصناعية الوليدة أو الآخذة فى النمو. وتزامن هذا مع تراجع الدور السياسى لدول العالم الثالث، حيث ضعفت مؤسساتها التى كانت تحظى بنفوذ كبير خلال فترة الحرب الباردة، مثل حركة عدم الانحياز، التى نجحت لعدة عقود فى أن تنأى بهذه الدول عن دائرة الاستقطاب الدولى وتنحت لها دوراً فى سياق توازنات دولية بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية.

7- تضاؤل دور المنظمات الدولية الكبرى، وفى مقدمتها الأمم المتحدة، التى ضعفت لحساب مجلس الأمن، فضعف بدوره لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فى الفترة الأخيرة.

8- الترويج المكثف لبعض القيم والاتجاهات السياسية، مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان والعولمة، التى لا تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية فقط، بل تمتد إلى المجالات الاجتماعية والثقافية. وقد تم استخدام هذه القضايا الكبرى كورقة ضغط أحياناً من قبل دول غربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، على دول أخرى، ليس انتصاراً لهذه القيم أو دفعاً على درب هذه الاتجاهات، إنما لخدمة مصالح ضيقة ومحددة للدول الضاغطة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سمات النظام الدولي سمات النظام الدولي



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon