عن رواية «مجهول» 12

عن رواية «مجهول» (1-2)

عن رواية «مجهول» (1-2)

 لبنان اليوم -

عن رواية «مجهول» 12

عمار علي حسن

رغم غزارة إنتاجه فى الرواية والقصة القصيرة وكتب الرحلات والسير والحوارات والمقالات فإن رواية الأستاذ يوسف القعيد الأخيرة «مجهول» استغرقت كتابتها زمناً طويلاً، وصل إلى عشر سنوات تقريباً، ما يثير تساؤلات عن سبب هذا التمهل، هل هو التعثر كما يحدث أحياناً حتى لكبار الأدباء حين يعمدون إلى عدم تكرار عوالمهم أو دفع إبداعهم فى خط بيانى متصاعد حتى تكون الرواية اللاحقة أقوى دوماً من السابقة؟ أم هو التأنى؟ أم هى الرغبة فى صناعة عمل مختلف عما عداه يقف على ذروة روايات وقصص له حققت ذيوعاً، خاصة بعد تحول بعضها إلى أعمال سينمائية ودراما تليفزيونية؟

ظنى أن الاحتمال الأول ليس قائماً لأن عالم «مجهول» فى طقوسه وصوره وشخوصه ورموزه هو الأثير لدى كاتبها، والذى قطع فيه شوطاً بالغاً، وهو عالم «القرية المصرية» الذى أبدع فيه وعنه أدباء بارزون مثل يوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوى وعبدالحكيم قاسم وخيرى شلبى ومحمد البساطى ويوسف أبورية وآخرين، وليست هناك مشكلة أن يحفر أديب فى بيئة اجتماعية ونفسية محددة ويلتقط منها أعماله، طالما كان ينوع فى موضوعه وشخصياته، والمثل الجلى الذى يُضرب دوماً فى هذا المضمار هو حارة نجيب محفوظ التى أهدته روايات وقصصاً عديدة.

أعتقد أن القعيد تأنّى فى صناعة هذا النص، فكتبه ونقّحه وأعاد صياغته حتى ظهر على هيئته تلك، بعد أن وضع فيه كل خبرته فى السرد والوصف وترتيب الحوار والوقوف فى منتصف المسافة بين الشفاهى والكتابى وخلق حبكة مغايرة ومحاولة جذب القارئ من السطور الأولى، والنفخ فى أوصال الواقع بدفقات من الغرابة والتصوف والشجن.

وزّع القعيد روايته على ستة أقسام هى: «كفر المرحوم، حقل المستخبى، نصف بيت، كفر الغيب، الجبل، المعبد». وداخل هذه التقسيمات الرئيسة هناك عناوين فرعية عديدة بعضها يشكل مفتاحاً للجزء الذى يعتليه أو تلخيصاً له أو نقطة جذب، لكن هذه الأقسام وتلك الأجزاء يربط بينها خيط سردى متين ينطلق من البداية إلى النهاية فى بنية شبه دائرية وعبر لغة محكية تختزل المسافات بين العالم الموصوف والمرصود وبين القارئ.

والقارئ الذى يطالع الرواية، إن كان ذا خلفية ثقافية ريفية، سينتبه على الفور إلى تقارب بل تطابق الطقوس الشعبية والتجارب والمعارف والقيم والاتجاهات المصرية فى جوانب عديدة بين صعيد مصر ودلتاها، لا سيما أن البيئة التى ينهل منها القعيد تتلاقى مع البيئة الصعيدية لأسباب اقتصادية واجتماعية وتاريخية، فى ظل هجرات أهل الصعيد إلى البحيرة على مدار القرون الأخيرة، ولذا سيشعر مثل هذا القارئ بألفة شديدة مع النص. أما إن كان القارئ ينحدر من خلفية ثقافية مغايرة سيطالع النص على أن به غرابة، وقد تغنيه التفاصيل التى احتفى بها الكاتب عن الحيرة وكثرة الاستفهامات والتساؤلات، وعليه أن يمعن النظر فى الكثير من التراكيب العامية المفصحة أو الفصيحة المعماة، والتى تنحدر من أمثال شعبية أو تعبيرات دارجة على ألسنة الناس توارثوها أو أبدعوها وفق مقتضى الظرف والحال، وقد التقطها القعيد من بيئته المحلية، وقطعاً هى مستقرة فى ذاكرته ووعيه، وأعاد زرعها فى ثنايا روايته، لتؤدى وظيفة مزدوجة هى رسم ملامح عالم القرية بلغتة وطريقة عيشه وفهمه ورؤيته للحياة وتصاريفها، وإظهار شخصية السارد، أو الراوى العليم هنا، بل وشخصيات الرواية أنفسهم باعتبارهم ترجمة أمينة وصادقة لمعطيات البيئة ومفرداتها.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن رواية «مجهول» 12 عن رواية «مجهول» 12



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon