أصناف الكتّاب 1 ـ3

أصناف الكتّاب (1 ـ3)

أصناف الكتّاب (1 ـ3)

 لبنان اليوم -

أصناف الكتّاب 1 ـ3

عمار علي حسن

لا يولد أى كاتب أو باحث مكتملاً، إنما كعادة الأشياء تولد صغيرة وتكبر مع الزمن، اللهم إلا الحزن، فهو الشىء الوحيد الذى يولد كبيراً، ثم يصغر مع مرور الأيام.
وهناك من يكتب عملاً وحيداً فى حياته، رواية أو كتاباً، ثم يخرج من الساحة، زهداً أو اكتفاء أو إفلاساً. وبعض هذه الأعمال يكون مبهراً، ويبدو صاحبه كذكر النحل الذى استنفد كل جهده حتى يصل إلى الملكة، فيلقحها ثم يلقى حتفه. وبعضها يكون مؤشراً على موهبة تولد أو زهرة تتفتح فى عالم الإبداع الفنى أو الأدبى، لكن هذه الموهبة لم تجد من يرعاها فذبلت، أو أن صاحبها لم يتسم بالدأب، ويمتلئ بالإصرار، ويحتشد بالرغبة العارمة فى التحقق، فيمضى فى طريقه إلى الأمام، مراكما الكلمة على أختها، والسطر على أخيه، فتتوالى الصفحات، وتكتمل الكتب.
وأتيح لى أن أنصت إلى تجربة واحد من الموهوبين الكسالى، فذات يوم كنت قد كتبت قصة قصيرة عنوانها: «تجلى يا ملامح محمد» فازت فى مسابقة «القصة والحرب» وأخرجتها على مكتبى فى «وكالة أنباء الشرق الأوسط» التى بدأت فيها عملى الصحفى، فأخذها منى رئيسى المباشر وقتها الأستاذ محمود عبدالعظيم، وقال لى: أريد أن أقرأها. واختلى بنفسه وقرأها بإمعان، وراح يدون ملاحظات على حواشيها، ثم نادانى، ودخل بى فى نقد عميق للقصة أذهلنى، وأنا الذى لم أعرف عنه سوى أنه محرر أخبار صحفية، وعرفت منه ومن مجايليه أن الناقد العظيم الدكتور محمد مندور كان قد قال له: «أنت خليفتى»، وسألته عن تفريطه فى هذه المكانة وتلك النبوءة، فحكى لى عن مشاغل الحياة التى خطفته من عالم النقد الأدبى، وعن الكسل الذى استسلم له، فانتهى إلى ما انتهى إليه.
ومشاغل الحياة تأتى على الكثير من المواهب النسائية فى مجتمعاتنا. وقد قابلت فى أول عهدى بالمنتديات الأدبية كثيراً من الفتيات، اللاتى كن واعدات بطريقة لافتة، وأخرج بعضهن للنور قصصاً أو رواية، ثم اختفين فى تعاريج الحياة، بعد أن طغت المسئولية الاجتماعية، عقب الزواج والإنجاب، على ما عداها، فابتلعت الوقت والجهد، وربما طمرت بعض الخيال.
ويوجد من يظل طيلة حياته قارئاً ومتأملاً، ثم يجلس ليكتب خلاصة ما انتهى إليه فى عمل وحيد، لكنه قوى وناضج ومؤثر. والمثال الواضح على هذا هو صبحى وحيدة، الذى كان يعمل فى اتحاد الصناعات المصرية، وأصدر كتاب «فى أصول المسألة المصرية» عام 1950، وهو كتاب لا يزال يلقى تقريظاً وترحيباً وتعاد قراءته جيلاً إثر جيل، أو على حد وصف صبرى أبوالمجد فى تقديم إحدى طباعته: «أرى هذا الكتاب من الكتب التى لا تبلى جدتها.. واعتبر كاتبه واحداً من أبناء هذا الشعب قال كلمة ارتآها حقا، وكانت فى الواقع صادرة عن نفس قوية، وعن قلم جاد ليس له هدف شخصى».
وهناك من يأتيه إلهام فيكتب عملاً عميقاً وبديعاً، ويستمر فى الكتابة، لكن أعماله الأخرى لا تلقى اهتماماً يكافئ الاهتمام بعمله الأول، حتى لو كانت أفضل منه، وكأن الناس قد وضعوا كل طاقتهم الإدراكية لإبداعه حيال كتاب واحد، وأن ما جاء بعده مجرد توابع تتراجع قوتها حتى تتلاشى. والمثل الصارخ على هذا الأديب السودانى الكبير الطيب صالح، إذ إن أياً من رواياته وقصصه لم تحظ بما ناله عمله الأول «موسم الهجرة إلى الشمال» فى حديث النقاد والقراء عن روعة العمل الأول على مستوى المبنى والمعنى والجمال. وعانى يحيى حقى من هذه الصورة السلبية، لكن بدرجة أقل من الطيب صالح، إذ ظل الناس ينظرون إليه رغم تراكم أعماله الروائية والقصصية باعتباره الأديب الذى ألف «قنديل أم هاشم» وكانوا يلقبونه بـ«صاحب القنديل» إلى درجة أنه قد نسب إليه القول «كرهت هذه الرواية»، وانطبق الأمر ذاته على سهيل إدريس حول روايته «الحى اللاتينى».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصناف الكتّاب 1 ـ3 أصناف الكتّاب 1 ـ3



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon