تاريخ المرتزقة 26

تاريخ المرتزقة (2-6)

تاريخ المرتزقة (2-6)

 لبنان اليوم -

تاريخ المرتزقة 26

عمار علي حسن

ويقف المفكر السياسى الإيطالى نيقولا ميكافيللى أيضاً موقفاً سلبياً من المرتزقة مشابهاً لما سبقه إليه ابن خلدون، ويقدح فى دورهم ومسارهم، إذ إنهم فى نظره عبء على الجيش وخطر على السلطة، وإن اعتمد حاكم عليهم فإنه سيظل مؤرقاً وقلقاً على سلطانه، لأن المرتزقة لا يعرفون التوحد خلف فكرة أو قائد، ولا يحفظون العهود والمواثيق، ولا يخشون الله، ولا يرعون الذمم مع غيرهم، وبينهم من يمتد طموحه إلى أبعد من الدور الذى رُسم له وجىء به من أجله، وأغلبهم جبناء أمام العدو وإن تظاهروا بالشجاعة أمام من يدفع لهم.

أما وليم أولتمان فيهاجم المرتزقة بشدة لأنهم «يمارسون أعمالاً لا تخطر على بال، وأخطر بكثير مما يفعله الجنود النظاميون، ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على البشر، لأنهم بلا مشاعر أو ضمائر»، ثم يتساءل: «من أين تأتى الضمائر لبشر مهنتهم القتل مقابل المال؟».

ويعود استخدام المرتزقة فى الحروب إلى زمن غابر من عمر الإنسانية، وتحديداً إلى سنة 1288 ق. م، حين استخدمهم المصريون بقيادة رمسيس الثانى فى معركة قادش ضد الحيثيين. وشجع أداؤهم فى هذه المعركة فراعنة مصر على التمادى فى استجلاب المرتزقة إلى صفوف الجيش المصرى من أرجاء شتى، لا سيما بلاد الإغريق وما حولها. وقد أخذ ملوك بلدان أخرى هذا الأمر عن المصريين، من بينهم كورش الأصغر الذى استقدم عشرة آلاف مرتزق من بلاد الإغريق ليساعدوه فى إقصاء أخيه الملك أرتحششتا الثانى وذلك عام 401 ق. م، فجاءوا مسرعين إلى بلاد فارس يتقدمهم زينفون تلميذ سقراط، وعيونهم على الذهب الذى سيحصلون عليه لقاء خوضهم هذه الحرب.

وبلغ اعتماد الجيوش النظامية على المرتزقة فى الحروب مداه خلال معركة جوجاميلا 331 ق. م التى وقعت بين الفرس بقيادة الملك دارا والرومان بقيادة الإسكندر الأكبر. فكلا الجانبين اعتمد على أعداد هائلة من المرتزقة، سدّ بهم الفرس النقص الذى أصاب جيشهم جراء المعارك الطويلة التى خاضها، وزاد بهم الإسكندر من عدد جنده ليصبح تحت إمرته جيش جرار يكافئ طموحاته التوسعية، ورغبته فى بناء إمبراطورية مترامية الأطراف.

وتوسع الرومان فى تجنيد العاطلين عن العمل واستقطاب الراغبين فى تأجير جهدهم ورغبتهم فى القتال حتى أصبحت لديهم جيوش كاملة من المرتزقة، وظّفوها فى دحر أعدائهم، وتوسيع أرجاء إمبراطوريتهم. وقد كافأ الرومان المرتزقة على جهدهم هذا بسنّ قانون يسمح بمنح الجنسية الرومانية لكل غريب يرتدى البزة العسكرية وينخرط فى صفوف جيوشهم.

وسلك القرطاجيون الدرب نفسه، فجلبوا مرتزقة من أجناس شتى، ليصبح جيشهم خليطاً من الغاليين والليبيين والفنيقيين والإسبان. وقد أدى هذا التنافر إلى خسارة الجيش لمعاركه، وعودة المرتزقة كاسفى البال، لكن الهزيمة لم تترك فى نفوسهم أثراً كبيراً، لافتقادهم الروح الوطنية والغيرة على البلاد، ولذا تبلدوا فى مواجهة الأهالى، واستأسدوا عليم فخنقوا الحريات العامة، وتحولوا إلى عالة اقتصادية وعبء نفسى وسياسى على المجتمع.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ المرتزقة 26 تاريخ المرتزقة 26



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon