متاع السياسة الغليظ 12

متاع السياسة الغليظ (1-2)

متاع السياسة الغليظ (1-2)

 لبنان اليوم -

متاع السياسة الغليظ 12

عمار علي حسن

ما من شك أن حياتنا صارت مسيسة بشكل أو بآخر، فقد أصبحت السياسة متداخلة مع الكثير من سلوكنا، وعاداتنا اليومية، وامتد ذراعها، فطوّق كل ما كنا نعتقد فى الماضى أنه بعيد عنها كل البعد. وعملية تسييس الظواهر الاجتماعية كانت هى الآلية التى ميزت علم السياسة فى القرن العشرين عن القرون التى خلت، فقديماً كان هناك فرق واضح بين السياسى والأخلاقى، فالإجهاض مثلاً، كان فى القرن التاسع عشر مسألة أخلاقية، وكان وضع الأسرة ومسائل الصحة والتربية بعيداً عن اهتمامات السياسة، باسم احترام الحياة الخاصة.

أما فى القرن العشرين، فتم توسيع ميدان السياسة، ليشمل كل المسائل السابق ذكرها، وامتدت شبكة التفسير السياسى إلى كافة النشاطات الإنسانية، بل وصلت إلى الظواهر الطبيعية، فعدم هطول المطر، أو وقوع الزلازل، يبدو لأول وهلة أمراً بعيداً عن السياسة، لكن إعادة النظر فى هذه المسألة سيقود إلى نتيجة مفادها أن السياسة تقع فى قلب هذه الظاهرة الطبيعية. فبعض الناس يعتقدون أن هذه الكوارث نجمت عن غضب الله سبحانه وتعالى على الحكام، لظلمهم وفسادهم، وفى كل الأحوال فإنهم سيلجأون للسلطة لتنقذهم مما حل بهم من خسائر، وعليها أن تستجيب، فى هذه الأوقات الحرجة، حفاظاً على الشرعية، وضماناً للاستقرار السياسى.

إن سؤالاً مثل: هل موسيقى موزار ذات طابع بورجوازى قد يبدو، لأول وهلة، أمراً عبثياً، لكن إمعان النظر فيه يمكن أن تنجم عنه نتائج محددة إذا ما تمت الإجابة عنه بنعم. ولقد وصل الأمر بعلماء السياسة إلى البحث عن الجوانب الجيوسياسية فى كرة القدم، ففى كتاب صدر عن أحد المراكز الاستراتيجية الفرنسية، شاركت فى إعداده نخبة من الباحثين، تم التعامل مع هذه اللعبة على أنها متابعة الحرب بوسائل أخرى. هذا هو الوصف الذى كان المنظّر الاستراتيجى كلاوزفتش قد أطلقه على السياسة وأنها صارت الظاهرة الأكثر كونية فى عصر العولمة، إذ إنها تبدو أشمل من اقتصاد السوق وعملية الدمقرطة، وإنها صارت إحدى الأدوات القوية فى الدبلوماسية الدولية، حيث يمكن، فى رأى هؤلاء، أن تساهم فى توحيد شطرى كوريا أو دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يمكن لها أن تكون إحدى وسائل تحقيق الوحدة الوطنية فى البلاد متعددة الأعراق واللغات والديانات، حيث تتضافر مختلف الجماعات حول المنتخب الوطنى، الذى يعد رمزاً تعلق عليه الأمة بعض آمالها، خاصة إذا كان يضم تحت لوائه لاعبين ينتمون إلى هذه الجماعات.

وتنبع هذه التصورات من شيئين أساسيين، الأول: أن العملية السياسية تبدو معقدة للغاية، نظراً لتداخلها الشديد مع حقول معرفية ونشاطات إنسانية أخرى، ويأتى التحليل ليبسطها عبر نماذج تأخذ أشكالاً مختلفة تتراوح بين الكلام اللفظى الصرف والحسابات الرياضية الدقيقة، والثانى: أنها عملية تتسم بالشمول، إلى حد كبير، إذ أن كل النشاطات البشرية قابلة للتسييس عندما تدخل فى صميم اهتمامات السلطة السياسية. وعندما يربط الإنسان فكرياً بين ظاهرة ما والنظام السياسى تكتسب تلك الظاهرة معنى سياسياً، بحيث من الممكن أن يصبح كل نشاط بشرى عملاً سياسياً، فى ضوء تطور الواقع الاجتماعى، اقتصادياً وتقنياً، أو على حد قول روبرت دال: «سواء شئنا أو لم نشأ فلا يوجد أحد قادر على أن ينأى بنفسه عن الوقوع فى دائرة من دوائر التأثير لنظام سياسى ما، فالمواطن يتعامل مع السياسة عند تصريف أمور الدولة، المدينة، المدرسة، الكنيسة، الشركة، النقابة، النادى، الحزب السياسى، الجمعيات التطوعية، وغير ذلك من منظمات عديدة أخرى، فالسياسة هى حقيقة من حقائق الوجود الإنسانى، لا يمكن تجنبها. وكل فرد يجد نفسه مشتركاً بطريقة ما، فى لحظة ما، فى شكل من أشكال النظم السياسية.. وإذا كان المرء لا يمكنه تجنب السياسة، فإنه بالضرورة لا يمكنه تجنب النتائج المتولدة عنها».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متاع السياسة الغليظ 12 متاع السياسة الغليظ 12



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon