من ظلمات الهزيمة إلى حروب النصر

من ظلمات الهزيمة إلى حروب النصر

من ظلمات الهزيمة إلى حروب النصر

 لبنان اليوم -

من ظلمات الهزيمة إلى حروب النصر

بقلم: مصطفي الفقي

كلما أطل أكتوبر من كل عام هبت معه نسائم من نوع خاص، نسائم فيها صحوة وطنية وروح مختلفة مستمدة من تلك الأيام عام 1973 حين اخترق المصريون حاجز الهزيمة، وتمكن جيشهم الظافر من العبور العظيم، ولايمكن تصور ما جرى إلا إذا وضعنا أنفسنا فى أجواء تلك الفترة حيث تحرك الجيش المصرى بعد أيام قليلة من نكسة يونيو 1967 ليبدأ حربًا ضارية هى حرب الاستنزاف التى شارك فيها الشعب المصرى جيشه الذى رفض الهزيمة ودخل فى أتون حرب باردة فى ظل سماء مكشوفة، وأرض محتلة، ومشاعر حزينة، وقبل الشعب المصرى أن يدفع ثمنًا غاليًا لنصرٍ قادم يلوح فى الأفق رغم ظلمات الهزيمة وأحزان النكسة.

ونحن حين نكتب عن حرب أكتوبر 1973 فإننا نكتب عنها كجزء من تاريخنا القومى وشرفنا الوطنى مدركين أن هناك رائحة لتلك الأيام ظلت باقية على الدوام ولم تغب أبدًا، فقد بدأ الجيش المصرى عملياته العسكرية شبه الانتحارية بعد أيام معدودة من الهزيمة المفاجئة حيث رفض البواسل ومعهم شعب عريق القبول بما جرى فكانت حرب الاستنزاف بدءًا بمعركة رأس العش فى يونيو 1967 وصولاً إلى قبول مبادرة روجرز لاستكمال بناء حائط الصواريخ عام 1970 والذى كان بمثابة لغة حاسمة استرد فيها الجيش المصرى ثقته بذاته وتعرف على خريطة المستقبل التى كانت ترى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

وقد استطاعت الإرادة المصرية أن تصنع المعجزات بمقاييس العصر وبشهادة الخصوم والأعداء، فلنتذكر دومًا أن جنودنا البواسل والضفادع البشرية المصرية كانوا يعبرون قناة السويس فى كثير من الأمسيات للقيام بعمليات قتالية خلف خطوط العدو فى وقت تحول فيه الشعب المصرى الطيب الثرثار بطبيعته إلى شعبٍ كتوم لا يقنع إلا بحقائق ولا تشده المعلومات الزائفة أو العنتريات العابرة.

فقد كانت قسوة الهزيمة هى خير معلم لنا لكى نعلن ذات يوم أننا قد تجاوزنا شبح النكسة، وأصبحنا نتطلع إلى أضواء النصر العسكرى الكبير، وندرك فى الوقت نفسه أن الأمة الباسلة لا تفرط فى شرفها، ولا تضحى بتاريخها، ولا تتنازل عن أرضها بل تسعى فى جدية وإباء لاسترداد الكرامة، والتخلص من كل ما يتعلق بالهزيمة من آثار.

إن أجواء هذه الأيام التى تذكرنا بروح أكتوبر سوف تظل هى ذكريات المجد والقدرة على صناعة النصر، وأنا ممن يظنون أن للشعوب روحًا كامنة ومشاعر دفينة لا تستيقظ فى أى وقت ولا تتحرك إلا عندما تكون الكبرياء الوطنية فى محنة كبيرة أو امتحان عسير، ويكفى أن نتأمل خطوات الاستعداد التى قام بها الجيش المصرى لخوض معركة النصر وكيف كانت روح الشعب المصرى آنذاك الذى كان شريكًا مباشرًا فى المسار اليومى للأحداث، وهل ننسى مذبحة بحر البقر وشهداءنا من أطفال المدرسة؟ لم يكن الأمر سهلاً ولا الطريق معبدًا، ولكن خطة الخداع المصرية ودرس النكسة الذى تعلمناه وقتها جعلت المستحيل ممكنًا، فأزالت خط بارليف وفتحت الطريق أمام أبطال العبور ليستكملوا مهمة التحرير.

إننى مازلت شخصيًا أتذكر تلك الأيام بكل فخر حيث كنت قد أنهيت فقط عدة شهورٍ من فترة التجنيد العسكرى وانتقلت إلى العمل بالقنصلية العامة للجمهورية العربية المتحدة فى لندن، وشهدت حينها التحول الضخم فى نظرة الشعب البريطانى تجاه بلد الجيش الذى انتصر وعبر والذى استطاع أن يتخلص من شبح الهزيمة وصافح أبطاله الموت فكان لهم النصر الذى لم يتوقعه أحد، إننا نتذكر الآن تلك الأيام لكى نؤكد أن الشعوب إنما تصنعها المحن، وأن المواجهة هى حرب شريفة لا يسعى إليها شعب بذاته بل يسعى لتفاديها، فويلات الحروب أضخم من أن تحصى، ولكنها قد تكون قدرًا ومصيرًا وحياة!

ومصر قوة عاقلة فى كل الأوقات تتسم قراراتها بالحكمة، تعلمت من دروس الماضى مالم يدركه كثيرون غيرها، وهى تسعى إلى سلام عادل ودائم وشامل وتنبذ أسلحة الدمار وترفض الحروب غير المبررة، ولكنها فى الوقت نفسه لا تغفل عنها إذا فرضت عليها، وكذلك فإن مصر لا تتحرش بأحد وجيشها القوى لا يسعى إلى صدام مع غيره إلا إذا فرض عليه ذلك الأمر وأصبحت المواجهة هى الخيار الوحيد، خصوصًا أن الأقنعة فى عالم اليوم قد سقطت وأصبحت كل الحقائق مكشوفة وكل الأمور واضحة، وتبقى حكمة القوة هى الفيصل فى كل ما نراه وما نشهده، وما يمكن أن نسعى إليه آخذين فى الاعتبار أن التفاوض الجاد والحاد يمكن أن يكون نمطًا فاعلاً من أنماط المقاومة التى تسعى لتغيير الواقع، واستعادة الحقوق بشرف وحكمة ورؤية شاملة لكل ما حولها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ظلمات الهزيمة إلى حروب النصر من ظلمات الهزيمة إلى حروب النصر



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon