الفقر  تلك القنبلة الموقوتة

الفقر .. تلك القنبلة الموقوتة

الفقر .. تلك القنبلة الموقوتة

 لبنان اليوم -

الفقر  تلك القنبلة الموقوتة

بقلم: مصطفي الفقي

 للخليفة الراشد فيلسوف الإسلام الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه عبارة ذهبية يقول فيها (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، وكلما مرت على البشر أحداث وتناوبت عليها خطوب تأكدت تلك المقولة وتعزز ذلك المفهوم، وذلك من خلال التجارب البشرية والمحن الإنسانية التى تؤكد دائمًا أن الفقر قنبلة موقوتة تقف وراء كثير من الأحداث الكبرى والمآسى الحزينة إذ تختفى الجرائم أحيانًا وراء الفقر وتهوى القيم دائمًا أمام الفقر وتنهار الأخلاق أحيانًا تحت وطأة الحاجة، وليس يعنى ذلك بالطبع أن الفقراء هم أسوأ البشر فقد يكون العكس صحيحًا ولكن الأمر المؤكد هو أن الذين لا يملكون هم المعذبون فى الأرض المسحوقون تحت وطأة مال الغير ونفوذ الآخرين وسطوة الأغنياء، لذلك قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذى اشتهر بالعدل والإيمان المطلق بالمساواة بين البشر (لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لوزعت فضول أموال الأغنياء على الفقراء) وهو بذلك يضع الأطر السليمة للفكر الاشتراكى فى فترة مبكرة من تاريخ الإنسان، وحين كانت تدفعنى الظروف للمرور بأحد الأحياء الفقيرة وارتياد بعض العشوائيات فى القاهرة كنت أخاطب الله صامتًا أن يرفع عن عباده البسطاء ذلك البلاء وأن يعطى المزيد من الأمل للفقراء، والذين قرأوا روائع طه حسين سواء فى سيرته الذاتية «الأيام» أو روايته «المعذبون فى الأرض» أو الومضات المضيئة التى سطرها فى ملحمته على هامش السيرة، سوف يدركون حجم المعاناة التى يشعر بها من يقرأ وصف الفقر ومحنة الفقراء، وليت قادة البشر وزعماء العالم يحيلون فوائض الأموال ونفقات التسليح العسكرى وحشد الأموال الكبرى من أجل أجهزة الدمار وأسلحة الحروب إلى دعم للمشروعات التنموية التى تخدم الفقراء وترفع من مستوى معيشة الأفراد وتحمى من آثار الفقر الذى ينتشر كالنار فى الهشيم على امتداد أنحاء الكوكب الأرضى، ولقد رأيت بعينى رأسى مدنًا منازلها من الصفيح أو الأكواخ المتهالكة ولا يتصور أحد أن يعيش فيها بشر، ولقد كشفت محنة حرب غزة عن تحالف الفقر مع الخوف مع الترويع والإرهاب على شرائح العمر المختلفة فى ذلك الإقليم المنكوب الذى يصطاد فيه جنود الاحتلال الإسرائيلى الأطفال والنساء وغيرهم من المدنيين العزل بلا هوادة كما يصطاد الهواة العصافير البريئة فى رياضها الوديعة!

والمصريون الذين يعرفون تاريخ بلادهم يدركون أنه رغم غياب عدالة التوزيع وشيوع الفقر فى فترات معينة من تاريخ البلاد إلا أن الأمور كانت تمضى على نحو أفضل، فالوفرة كانت متاحة لأن عدد السكان كان دون الثلاثين مليونًا وها هو الآن يدخل إلى نهاية المليون العاشر بعد المائة! وليس الفقر وليد ندرة الموارد ولكنه أيضًا نتيجة طبيعية للزيادات التراكمية فى عدد السكان، ولقد عكف المفكرون والعلماء فى العقود الأخيرة، خصوصًا أولئك المعنيين بدراسة مستقبل البشرية لرصد الأزمات المنتظرة فى الغذاء والماء وفى الطاقة والهواء لعلهم يستشرفون مستقبلاً أفضل لسكان المعمورة، ولكنهم أدركوا دائمًا أن معدل الزيادة السكانية هو حليف طبيعى لزيادة معدلات الفقر فى عالمنا المعاصر حتى ظن بعضهم أن الحلول العسكرية والنزاعات المسلحة والأوبئة الفتاكة تمهد فى معظمها لإحداث التوازن المطلوب فى معدلات الزيادة السكانية البشرية حاضرًا ومستقبلاً، ولعلنا ندرك الآن جيدًا أن الفقر مرض خبيث إذا انتشر فإنه يضرب التعليم فى مقتل ويطيح بطموحات البشر فى مجتمعات الرفاهية بل ويبتلع معدلات النمو المتصاعد، وينهش فى أحشاء المجتمع، فيسىء إلى الطفولة وتقهر الأمومة وتخنق الآمال فى حياة أفضل للجميع! وإذا كانت الدول قد أنشأت وزارات للتضامن الاجتماعى وأقامت مشروعات نوعية لإعانة الفقراء والمحتاجين، وتوفير حياة كريمة لهم فإن ذلك لا يكفى لمعالجة ظاهرة الفقر، ومكافحة التخلف والانتصار على الجهل والمرض معًا باعتبارهما حليفين متلازمين للفقر وشيوع آثاره السلبية، دعنا نأمل بانتصار البشرية على الفقر ألد أعدائها وأكثرهم شراسة على الأحياء وإذلالاً للكائنات. فحين يخيم شبح الفقر على منطقة معينة فإنه يستدعى بالضرورة المجاعات المتتالية والكوارث المستمرة والأحزان التى لا تتوقف. وقد صدق الإمام حين قال (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) ونضيف أنه لو كان امرأة لدمرتها، فالنساء والأطفال هم أكثر البشر شعورًا بمعاناة الفقر حتى إن نسبة المرأة المعيلة فى المجتمع المصرى قد تزايدت فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، ففقراء الرجال يستسلمون أحيانًا لبعض المخدرات متناسين أن التحالف الأسود الذى يقوده الفقر يضم كل سلبياته المدمرة للبشر من كل الأعمار.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفقر  تلك القنبلة الموقوتة الفقر  تلك القنبلة الموقوتة



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon