الديمقراطية والإرهاب

الديمقراطية والإرهاب

الديمقراطية والإرهاب

 لبنان اليوم -

الديمقراطية والإرهاب

عمرو الشوبكي

هل يمكن أن تقضى الديمقراطية على الإرهاب؟ الإجابة القاطعة أن الديمقراطية لا تقضى على الإرهاب، إنما تضعفه وتضعه على هامش المجتمع والفعل السياسى، بشرط وجود دولة قانون قادرة على الإنجاز الاقتصادى والسياسى.

والحقيقة أن مشهد الإرهاب العابر للقارات الذي شهدناه الأسبوع الماضى، وضرب ثلاثة بلدان عربية هي تونس والكويت ومصر، وبلدا أوربيا هو فرنسا، يقول لنا إن بلدا ديمقراطيا مثل فرنسا شهد مذبحة إرهابية حقيقية على أرضه في بداية هذا العام تمثل في الاعتداء الذي نفذه اثنان من مواطنيه المسلمين على صحيفة «شارلى إبدو» وراح ضحيته 12 شخصا رغم وجود نظام ديمقراطى مستقر.

الديمقراطية الفرنسية لم تحل دون ذهاب عشرات الفرنسيين المسلمين ( الذين وُلدوا وعاشوا في ظل نظام ديمقراطى) إلى العراق وسوريا والانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابى، مثلهم مثل مئات الأوربيين الآخرين الذين انضموا إلى نفس التنظيم وذهبوا إلى نفس البلاد.

والحقيقة أن تجربة أوروبا الديمقراطية مع الإرهاب هي تجربة طويلة، ولم تكن فقط مع التنظيمات الإرهابية التي سُميت إسلامية، إنما عرفت أيضا في الستينيات رواجا لتنظيمات عنف يسارى وثورى قامت بعمليات إرهابية في بلاد أوروبية كثيرة، ونجحت أوروبا في القضاء عليها بالسياسة والديمقراطية والأمن.

ولعل وجود الإرهاب في تجربة النجاح الوحيدة في تجارب الثورات العربية، أي تونس، يعيد طرح السؤال مرة أخرى: لماذا يوجد إرهاب في تونس يستهدف الجيش التونسى والسياح؟

الحقيقة أن تونس تعيش بدايات تجربة تحول ديمقراطى ناجحة، كما أن جيشها محدود العدد والعدة، ولم يتدخل في العملية السياسية ولم يعزل رئيسا ولا خفيرا حتى تكون هناك حجة للاعتداء عليه كما يردد البعض في مصر، كما أنه بلد دمج جزءا كبيرا من الإسلاميين في العملية السياسية، ومع ذلك هناك إرهاب منظم يستهدف الجيش والمجتمع.

المؤكد أن هناك بُعدا عقائديا واجتماعيا وسياسيا يقف وراء الإرهاب، وهو أمر قد تحاصره النظم الديمقراطية، ولكنها لن تقضى عليه.

إن الديمقراطية في أوروبا أو في تونس (فى بدايتها) لن تهزم بمفردها الإرهاب، كما أنها لم تمنع وجوده، إنما بالحتم حدت من انتشاره، لأنها فتحت الباب أمام مواجهته فكريا وسياسيا، بعيدا عن الصراخ الإعلامى والهتافات العنترية التي نسمعها في مصر ويدفع ثمنها الشعب المصرى من دماء أبنائه.

المؤكد أن أعداد الإرهابيين ومشاريع الإرهابيين في أوروبا أو حتى في تونس لا يمكن مقارنتها بأعداد إخوانهم في سوريا والعراق، حيث الاضطهاد الطائفى والاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى الذي خلق بيئة حاضنة جعلت مئات الآلاف من سُنة العراق يقبلون بداعش نكاية في طائفية الأحزاب الشيعية الحاكمة، ونفس الأمر في سوريا، حين مارس نظام بشار الأسد إجراما سياسيا وطائفيا على السواء، فشكل ذلك السبب الأول في انتشار الإرهابيين والدواعش على كل الأراضى السورية.

الديمقراطية لن تقضى على الإرهاب إنما تحاصره وتنقذ كثيرين من خطر الانضمام لتنظيماته أو التواطؤ معها، لأن مهمة دولة القانون والنظام الديمقراطى أنها تعطى الأمل للمحبطين والمهمشين بإمكانية تغيير أوضاعهم، وأن هناك جدوى للتعبير السلمى عن آرائهم سواء كانوا مؤيدين للسلطة أو معارضين، وأن هناك مسارا سياسيا يعطى فرصا لجميع القوى السياسية للوصول للسلطة، ما عدا الممارسين والمحرضين على العنف والإرهاب.

الديمقراطية تحاصر الإرهاب ولا تقضى عليه، ومعركة الإرهاب مركبة وشاملة، فهى فكرية واقتصادية وسياسية وأمنية، ولن تهزمها بطولات الجيش المصرى فقط إنما رؤية سياسية متكاملة لتجفيف منابعه حتى يصبح ممارسوه بضع عشرات أو مئات وليسوا آلافا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية والإرهاب الديمقراطية والإرهاب



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon