المواجهة بالسياسة

المواجهة بالسياسة

المواجهة بالسياسة

 لبنان اليوم -

المواجهة بالسياسة

بقلم:عمرو الشوبكي

الأزمة السياسية التى تشهدها فرنسا لها أبعاد متعددة، أبرزها ما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية التى اعتمدتها الحكومات الأخيرة بتوجيه من الرئيس ماكرون وتمثلت بشكل أكثر تحديدا فى قانون التقاعد الذى اقترح ماكرون رفعه من سن ٦٢ عاما إلى ٦٤ وواجهه المعترضون بالاحتجاج والتظاهر وواجهه ماكرون بالسياسة.

وكانت الحجة وراء التمسك بهذا القانون أنه سيوفر ١٧ مليار يورو تحتاجها منظومة التقاعد والمعاشات، فى حين قالت النقابات، ومعها أحزاب اليسار، خاصة حزب فرنسا الأبية إن الحكومة يمكنها أن تغطى هذا العجز أو هذا المبلغ من خلال فرض ضرائب على فاحشى الثراء أو على الشركات التى تحقق أرباحا ضخمة، وضربت مثلا بشركة توتال الفرنسية التى حققت أثناء صدور القانون أرباحا صافية قدرت بـ ٢٠ مليار يورو.

وقد صوت البرلمان الفرنسى مطلع هذا الأسبوع بالأغلبية على إيقاف العمل بقانون التأمينات الاجتماعية والتقاعد بعد رحلة من الاحتجاجات والتحالفات السياسية والتحالفات المضادة استمرت لأكثر من عامين.

إن التراجع عن هذا القانون الذى أجيز بطريقة غير ديمقراطية عقب إقدام الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على تمريره دون التصويت عليه فى البرلمان، وفق مادة فى الدستور الفرنسى (٣-٤٩) تعطى له هذا الحق، عاد بعدها وتراجع عنه بعد أن كانت حكومته مهددة بسحب الثقة للمرة الثانية، دل على ألا مستقبل لأى قرار أو قانون يتجاهل رأى الأغلبية.

والحقيقة أن كل رؤساء الجمهورية الخامسة فى فرنسا التى تأسست عام ١٩٥٨ على يد الجنرال ديجول، لم يقدموا على خطوة بفرض قانون دون موافقة البرلمان، فالرئيس الراحل جاك شيراك اضطر إلى التراجع فى منتصف التسعينيات عن قانون اقترحه لإصلاح نظام التقاعد عقب مظاهرات وإضرابات عارمة، والرئيس الأسبق ساركوزى قدم بدوره قانونا رفع فيه سن التقاعد من ٦٠ إلى ٦٢ عاما، ورغم المعارضة القوية للقانون والمظاهرات التى جرت إلا أنه لم يواجهها بالمادة (٣-٤٩) إنما فتح قنوات حوار مع كل نقابة على حدة، مما أحدث انقساما فى صفوفها وجعل بعضها يقبل بالقانون الجديد ومر.

ورغم أن الرئيس الفرنسى أصدر هذا القانون وأصر عليه رغم رفض أحزاب اليسار وتظاهرات النقابات المهنية والعمالية بأعداد تجاوزت المليون شخص من أجل تعديل هذا القانون إلا إنه عاد وقبل أن يكون ثمن عدم سحب الثقة من حكومته هو التراجع عن القانون.

حيوية العملية السياسية فى فرنسا مؤكدة، وأثبتت فى النهاية صحة مقولة «لا يصح إلا الصحيح»، فتمرير الرئيس لقانون دون موافقة الجمعية الوطنية (البرلمان) وتجاهل الاحتجاجات الشعبية ضده والتمسك برؤيته فقط (مهما كانت وجاهتها) جعلته يقدم تنازلا للحزب الاشتراكى لكى لا يسحب الثقة من الحكومة ويتخلى عن باقى «رفاقه اليساريين» فى مقابل تخلى ماكرون وحكومته عن إصلاح نظام التأمينات الاجتماعية والتقاعد.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المواجهة بالسياسة المواجهة بالسياسة



GMT 19:12 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

«إيزي» عم توم

GMT 19:11 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنَا أَنْ نُفَارِقَهُمْ!

GMT 19:10 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

المحاور والجبهات الغائبة

GMT 19:09 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

ساركوزي ومانديلا ودراما السياسة

GMT 19:08 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... اختبار الدولة لا اختبار السلطة

GMT 19:04 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

المخاوف الأوروبية والهواجس الروسية

GMT 19:02 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

الدلالات غير السياسية للتجربة السورية

GMT 18:56 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

العامل والسقالة والوعي

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 13:36 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 09:53 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

«حماس» تتوارى عن الأنظار

GMT 06:12 2014 الأربعاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

.. و"دقّت ساعة بغ بن"

GMT 10:03 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

جديد أميركا وثوابتها

GMT 04:06 2015 الإثنين ,23 شباط / فبراير

قوائم الانتخابات

GMT 10:57 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"بي بي سي" تواجه معركة قانونية شرسة مع أقوى رجل في العالم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon