السياق الذي يعيد بناء الآيديولوجيا

السياق الذي يعيد بناء الآيديولوجيا

السياق الذي يعيد بناء الآيديولوجيا

 لبنان اليوم -

السياق الذي يعيد بناء الآيديولوجيا

بقلم:عمرو الشوبكي

الجدل الذي دار حول التعاطي مع الجماعات الراديكالية بمختلف تنوعاتها، ممتد في الأوساط الأكاديمية والسياسية منذ عقود. والنقاش الذي دار منذ تسعينات القرن الماضي في الأوساط البحثية الفرنسية حول ظاهرة «الإسلام السياسي»، تركز في جانب مهم منه على أيهما له «الغلبة» وسيعيد بناء أو تفكيك آيديولوجيات التيارات الإسلامية المتشددة بمختلف تنوعاتها: هل السياق أو النص؟ بمعنى أنه لكي تراجع هذه التيارات توجهاتها وأفكارها؛ هل سيكون ذلك بفضل السياق الاجتماعي والسياسي المحيط بها عبر اتخاذ إجراءات وسياسات تدفعها نحو الاعتدال أو التطرف؟ أم سيكون بفضل تفسير النص الديني وتقديم تفسيرات معتدلة للترشيد، تواجه التفسيرات المتطرفة. وهناك أخيراً من دمج بين المفهومين، واعتبر أن السياق يمثل عاملاً رئيسياً في تشكيل تفسيرات النص، دون أن يلغي ذلك أن بنية الأخير وطبيعته تحدد مساحة الاستجابة للسياق المحيط.

وقد ظلت الأوساط اليمينية والمحافظة وبقايا المدارس الاستشراقية القديمة، تعتبر أن النص العقائدي للتيارات الإسلامية هو بمفرده الذي يفسر ممارساتها وتوجهاتها، بصرف النظر عن السياق المحيط من أجل الخروج بنتائج تقول «كلهن واحد»، وإن المشكلة ليست في تفسيرات النص ولا السياق المحيط به، بما يعني أن ظواهر التطرف والعنف الديني ستبقى معنا إلى الأبد مهما فعلنا إذا نظرنا للتأويل.

والحقيقة أن معظم الكتابات العلمية فندت النظريات التي فصلت بين النص والسياق، كما أن الواقع العملي أثبت أيضاً أن السياق السياسي والاجتماعي والإقليمي يمكن أن يعيد تأسيس وبناء هذه الآيديولوجيات في كثير من التجارب.

صحيح أن هناك تجارب لم يستطِع السياق المحيط أن يعيد بناء هذه الآيديولوجيا، خصوصاً تجارب الإخوان المسلمين وحركة «طالبان» وغيرهما لأسباب لا مجال الخوض فيها الآن، كما أن جماعات التطرف والإرهاب مثل «داعش» لم تقدم أي مراجعة لبنيتها العقائدية رغم هزيمتها في كل الساحات التي سيطرت عليها، وربما تكون ضحالة إطارها الفكري واعتماها على بنية انتقام ثأري واستحلال، مقارنة بتنظيمات متطرفة وعنيفة أخرى مثل «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» في مصر وحتى تنظيم «القاعدة»، حيث كان المكون العقائدي المتطرف أكثر صلابة وتماسكاً.

والحقيقة أن التجربة السورية رغم التحديات الكثيرة التي تواجهها قدمت نموذجاً للاستجابة السريعة للسياق المحيط، وبراغماتية في التعامل مع مسلمات كانت تضعها تيارات الإسلام السياسي في أدبياتها كنوع من الرفض للنظم القائمة، أو مجال للمزايدة عليها مثل الموقف من وجود إسرائيل، وأنها تنتظر الوصول إلى السلطة لإعلان الجهاد ضدها.

إن الواقع الإقليمي والدولي والسياق السياسي المحيط بالتجربة السورية، جعلا «جهادها» الأساسي ضد «الاحتلال الداخلي» الذي عانى منه الشعب السوري على يد نظام «آل الأسد»، وجعلا البديل الوليد في سوريا لا يرى أخطار الخارج بكل تنوعاته بالصورة نفسها التي كانت تراها النخب السورية عشية الاستقلال الوطني، خصوصاً أن شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ظل يوظفه نظام الأسد لقهر الشعب السوري منذ آخر حرب دخلها ضد إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 73 وحتى سقوطه.

إن السياق السياسي والاجتماعي المحيط والتحديات الداخلية والخارجية، جعلا الفصائل الإسلامية في سوريا تعيد بناء مسلماتها الآيديولوجية على أسس جديدة، عززها وجود حاضنة شعبية داعمه للإدارة الجديدة. كما أن سلاسة أحمد الشرع في التخلي عن أسماء التنظيمات التي قادها ومراجعة مضامينها العقائدية بشكل برغماتي كان لافتاً. في المقابل، مسألة تقديس التنظيم التي تميزت بها تجربة الإخوان المسلمين ووصفها بالجماعة الربانية واعتبار الانتماء والحفاظ على التنظيم هدفاً في حد ذاته، صعّب من مهمتها في التخلي عن التنظيم، أو تقديم أي نقد ذاتي لتجربتهم رغم تغير السياقات المحيطة والنظم القائمة.

يقيناً، السياق يلعب دوراً أساسياً في تغيير الآيديولوجيا وأسهم بتجارب كثيرة في انتقال جماعات متطرفة من العنف إلى السلمية، مثلما حدث مع أغلب قادة تنظيم «الجماعة الإسلامية» بمصر في تسعينات القرن الماضي حيث قدموا مبادرة لوقف العنف وفككوا ونقدوا بنية العنف العقائدية. التجربة السورية مرشحة لأن تؤسس لمشروع عملي سياسي واقتصادي جديد، يواجه مشكلات وتحديات كبيرة، وسيعيد الاعتبار لـ «السياق» على حساب «النص» في هذا الجدل المستمر بينهما.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياق الذي يعيد بناء الآيديولوجيا السياق الذي يعيد بناء الآيديولوجيا



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon