الدلالات غير السياسية للتجربة السورية

الدلالات غير السياسية للتجربة السورية

الدلالات غير السياسية للتجربة السورية

 لبنان اليوم -

الدلالات غير السياسية للتجربة السورية

بقلم:عمرو الشوبكي

أثار سقوط نظام بشار الأسد كثيراً من التساؤلات على الساحتين العربية والدولية، واستعاد البعض نظريات المؤامرة لتفسير هذا السقوط السريع، في حين أن قراءة تسلسل الأحداث تقول إن أي تحليل لبنية النظام وحجم الحاضنة الشعبية للمعارضة، والدعم الإقليمي الذي نالته يجعل من سقوطه «مسألة وقت». والحقيقة أن التجربة السورية طرحت قضايا معرفية وقيمية في حاجة إلى التأمل، بعيداً عن الموقف السياسي من النظام الساقط، وذلك بالحديث عن معانٍ ودلالات أكثر رحابة واتساعاً، تتلخص أساساً في قيمتين مهمتين يمثل التأكيد عليهما نقطة بديهية في تحليل أي نظام أو منظومة حكم وإدارة، بصرف النظر عن مساحة الاتفاق والاختلاف معها.

القيمة الأولى - أو المعنى الأول - هي ضرورة مواجهة «نماذج التدليس»، بمعنى أن النظام السابق مثَّل واحداً من النُّظم القليلة التي ادعت صفاتٍ لم تكن لها أي علاقة بطبيعته، ولا بتفاهماته السرية والعلنية مع إسرائيل، فقد ادَّعى الممانعة والمقاومة، في حين أنه كرَّس شرعيته واستمرار حكمه بالتفاهم مع الدولة العبرية، وظل يتعرَّض لضربات متتالية - بعضها كان نتيجة وشايات من داخل النظام - دون أن يرد بطلقة واحدة؛ لأنه كان مشغولاً بقتل شعبه بالبراميل المتفجرة. إننا في العالمين العربي والإسلامي شهدنا نُظُماً واجهت إسرائيل أو ناصبتها العداء - بصرف النظر عن تقييمنا لأدائها أو أجنداتها أو موقف كثيرين منها - مثل نظام عبد الناصر، كما أنَّ عداء صدام حسين والقذافي لإسرائيل مؤكد، وكذلك إيران ومواجهات «حماس» و«حزب الله» مع إسرائيل تندرج في هذا، وقد اختلف مع هذا كثيرون. وهذا بخلاف النظام السوري الذي ادَّعى المقاومة دون أن يعرفها، وأسس منظومة حكم طائفية هدفها قهر السوريين، لا تحرير الجولان ومحاربة إسرائيل.

ومن هنا، لم يكن غريباً أن إسرائيل استهدفت مواقع انتقائية في سوريا، غالبيتها العظمى إيرانية أو لـ«حزب الله»، وتركت جيش الأسد دون مساس؛ لأنه كان جزءاً من التفاهم مع قادته، وعادت واستهدفت ما تبقى من هذا الجيش بعد سقوط النظام، حتى قضت على قدراته؛ لأنها تعرف – فقط - أن النظام الجديد ليس جزءاً من هذه التفاهمات، رغم اعتداله وحرصه على التوقيع على اتفاق أمني «يتقي شر إسرائيل» ولا يؤدي بالضرورة إلى تطبيع العلاقات معها ما دامت تحتل الجولان. ما سقط في سوريا ليس مجرد نظام محل خلاف، إنما التدليس والكذب وادعاء بطولات وهمية، وهو في حد ذاته محاولة لاستعادة قيمة عليا؛ لأنه سيكون مطلوباً من العالم العربي أن يعرف الناس حقيقة كل نظام وتوجهاته، فهناك المعتدلون الذين يحاولون استعادة الحقوق بالأدوات والضغوط السياسية، وهناك المتشددون الذين يحاولون استعادة الحقوق بالقوة والسلاح، وكلاهما واضح، ولكن سقوط المدلسين يمثل قيمة حقيقية في صالح تقدم العالم العربي.

أما القيمة الأخرى، فهي تتعلق بالإيمان بقيمة «التغيُّر»، وأن خيارات الناس والقادة تتحول وتراجع نفسها وخطابها، فلا يمكن التعامل مع تفكير القيادة السورية الجديدة على أنه نفسه لم يتغير منذ أن حملوا السلاح منذ 10 سنوات، فبالقطع تغيروا حين اكتشفوا بعد وصولهم للسلطة - بل وقبله - أن العالم أكثر تعقيداً مما رأته «جبهة النصرة» من أن من تحكمه هي «قوى شريرة» ممثلة في أميركا وإسرائيل، في حين أن هذا العالم صار أكثر تعقيداً من الثنائيات المبسطة التي رفعتها الفصائل الإسلامية، وصار يمكن اختراقه كما حدث في العلاقة الناشئة بين سوريا الجديدة وأميركا، كما أن الخطاب الجديد الذي تطرحه القيادة السورية الجديدة تجاه العالم وأميركا وإسرائيل والقوى الدولية عكس تغيراً حقيقياً وجوهرياً في بنية هذا الخطاب، مقارنةً بما كان يقوله هؤلاء القادة أنفسهم منذ سنوات قليلة. لا شك أن التحول والتغير ومراجعة الأفكار والتوجهات صفة إنسانية طبيعية؛ بل وجزء من الفطرة السليمة مطلوب اعتمادها كمادة أساسية للتحليل السياسي.

ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع من قراءة هذا التغير الواضح والمعلن بشكل نقدي. النقاش والاتفاق والاختلاف حول ما يجري في سوريا، بعد عام على سقوط النظام، يجب ألا يلغي الإيمان بقيمتين أساسيتين: رفض التدليس، والإيمان بالتغيير ومراجعة الأفكار.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدلالات غير السياسية للتجربة السورية الدلالات غير السياسية للتجربة السورية



GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

“حكومة التعريفة” ولغز النفط وتسعير مشتقاته

GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فستان الرَّئيس «السَّابق»

GMT 21:10 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:09 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية!

GMT 21:07 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة

GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات المفاوضات الأوكرانية

GMT 21:05 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الخطاب وتعديل المسار

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:43 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع
 لبنان اليوم - مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع

GMT 21:44 2017 الأحد ,10 أيلول / سبتمبر

كيف تتحكمين في صرخات طفلك المحرجة؟

GMT 22:16 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان الموضة لخريف وشتاء 2026 توازن بين الأصالة والابتكار

GMT 14:56 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

الطبابة في حوض الفولغا

GMT 09:27 2015 الثلاثاء ,14 إبريل / نيسان

موقع صحيفة "الحياة" يتعرض إلى القرصنة

GMT 12:39 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأخطبوط يلجأ إلى حيل مثيرة للدهشة للإيقاع بالفريسة

GMT 07:35 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

توماس باخ يؤكد أنهم مستعدون لإقامة أولمبياد طوكيو

GMT 22:11 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

دليل تنظيف اللابتوب

GMT 22:18 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

فالنتينو تخطف الأنظار بمجموعتها لموسم 2018

GMT 09:01 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

ماجد المصري ينتهي من تصوير فيلم خمس جولات
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon