القيصر الأخير

القيصر الأخير

القيصر الأخير

 لبنان اليوم -

القيصر الأخير

بقلم : مصطفى فحص

في الظاهر أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قاعدة حميميم في سوريا عن عودة ثلثي جنوده إلى بلادهم بعد تحقيق انتصارهم على الإرهاب، ولكنه ضمنياً أعلن أيضاً من حميميم عن عودته السريعة إلى الداخل الروسي من أجل تحقيق انتصار انتخابي كاسح، يحول الانتخابات الرئاسية إلى استفتاء على زعامته الاستثنائية في تاريخ روسيا الحديث. إلا أن بوتين والفريق الذي يحيط به يدركون جيداً حجم المأزق الذي تعاني منه الحياة السياسية الروسية، التي تمرّ الآن بمرحلة صعود مستندة فقط إلى مجموعة من الإنجازات الداخلية والخارجية غير المكتملة، والتي يروج الإعلام الموالي للكرملين بأنها تحققت في سنوات حكم القيصر الأخيرة، إلا أن هذه الإنجازات بنظر النخب الروسية شعبوية تفتقر إلى ركائز علمية تضمن استمرارها حتى في الشكل الذي ترغب فيه القيادة الروسية إلى عام 2024، وهو تاريخ انتهاء الفترة الرئاسية الرابعة للرئيس فلاديمير بوتين أو ما بعده، ومن المرجح أن السنوات الست المقبلة لولاية بوتين الجديدة والأخيرة ستكون صعبة على مراكز صنع القرار داخل الكرملين، حيث من المتوقع أنها ستدخل في صراع داخلي على وراثة عهد بوتين، والذي يتطلب بلورة شخصية قيادية بديلة ومقنعة، إضافة إلى الحفاظ على الاستقرار داخل أجهزة السلطة، ومؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية، الأمر الذي يجعل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة يعيد إلى أذهان الروس مراحل الترهل التي أصابت العهود السوفياتية الطويلة، وما تراكم خلالها من أثقال سياسية واقتصادية داخل المجتمع الروسي. 

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ في معهد الدبلوماسية الروسية فاليري سالافي «إنه من المؤكد أن مرحلة الرئيس بوتين قد انتهت، وإن رئاسته المقبلة ستكون الرئاسة الأخيرة». كلام سالافي يشير بوضوح إلى أن مرحلة من تاريخ روسيا توشك على الانتهاء، وأنه من الصعب معرفة كيف ستتشكل المرحلة المقبلة، ففي رأيه «إن المجتمع الروسي يعاني من انسداد كبير، وتزداد عدوانيته وتهدد بالانفجار في كل لحظة، وإذا كانت مرحلة الانسداد الذي عانى منها المجتمع الروسي بعد احتجاجات العامين 2011 – 2012، قد أمكن استيعابها باحتلال القرم لاحقاً، فمن الواضح أن سوريا لم تتمكن من استيعاب ما يعانيه المجتمع الروسي من انسداد حالي». منذ بداية الثورة السورية وقف القادة الروس ضد المظاهرات السلمية التي كانت تطالب بإسقاط نظام الأسد، فلم يكن باستطاعة الكرملين تحمل ضغوط جديدة كتلك التي تشكلت جرّاء الثورات الممولة في جورجيا وأوكرانيا، محذراً من تداعيات نجاح المتظاهرين في إسقاط نظام الأسد سلمياً على الاستقرار السياسي للدول المجاورة لروسيا، معتبراً أن نجاح السوريين سينتقل كالعدوى إلى دول الجوار الإسلامي جنوب روسيا من إيران حتى آسيا الوسطى، ما يجعل العاصمة موسكو نفسها مهددة بالمظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام مثلها مثل عواصم الربيع العربي كدمشق وتونس والقاهرة وطرابلس، لذلك كان الهدف الروسي منذ البداية هو حماية بشار الأسد دبلوماسياً، ثم جاء التدخل العسكري من أجل وأد الخطر السوري نهائياً تحت حجة منع الإرهاب من الوصول إلى الأراضي الروسية، والذي قال بوتين إنه قد تم تحقيقه خلال إلقائه خطاب الانتصار في حميميم، الأمر الذي يسمح للقوات الروسية بتنفيذ انسحاب جزئي ولو رمزياً يعزز فرضية الانتصار الذي تبناه وأعلن عنه بوتين، وتحويله إلى مادة انتخابية واستثماره في الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة، رغم أن العناوين الخارجية باتت قليلة التأثير على خيارات الناخب الروسي غير المبالي بانتصارات بلاده الخارجية، خوفاً من تورط بلاده في صراعات دولية طويلة الأمد، والقلق من الوقوع في عملية استنزاف جديدة شبيهة بتلك الذي حدثت في أفغانستان.

يحق للرئيس فلاديمير بوتين الادعاء بأنه صانع تاريخ روسيا الحديثة، وبأنه القائد الذي أعاد بلاده بسرعة قُصوى إلى الساحة الدولية، لكنه يبدو كغيره من القياصرة والزعماء السوفيات الذين انهمكوا في صناعة الأمجاد الإمبراطورية على حساب التنمية الداخلية، ما أدى إلى تراجع التنمية داخل المجتمعات الروسية التي تعايشت سابقاً مع مراحل صعود للدولة والسلطة كان أغلبها مؤقتاً، وتبعها مراحل من السقوط المديد الذي عمق الأزمة بين الشعب والنظام، في بلد غني وشاسع يعاني من متلازمة الفساد والاستبداد التي اعتبرها القائد السوفياتي الشهير ميخائيل سوسلوف، ضرورة لقيام نظام قوي عبر تبنيه لمقولة «روسيا إمبراطورية ما دام هناك قيصر وفقر».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيصر الأخير القيصر الأخير



GMT 22:50 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بيروت ـــ بغداد... قضاء أم قدر؟

GMT 11:32 2024 الخميس ,22 آب / أغسطس

الصوت يعلو فوق صوت المعركة

GMT 13:22 2024 الجمعة ,16 آب / أغسطس

اللبنانيون المستجيرون بهوكستين

GMT 23:43 2024 الجمعة ,09 آب / أغسطس

أخطاء إيرانية شائعة

GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon