انقسام وقلق في طهران

انقسام وقلق في طهران

انقسام وقلق في طهران

 لبنان اليوم -

انقسام وقلق في طهران

بقلم:مصطفى فحص

هو أمر ليس جديداً، فالانقسام على ثنائية «الهوية والسياسة» في إيران بنيويّ، وهو انقسام مركّب يتحوّل من ثنائي إلى متعدّد في أشكاله وطروحاته الاجتماعية والثقافية؛ أفقيةً وعموديةً، وأكثرياتٍ وأقلياتٍ، ومركزاً وأطرافاً، وإصلاحيةً ومحافِظة، ومحافِظةً ومحافِظةً جديدة... جيشاً نظامياً و«حرساً ثورياً»، شرطةً و«باسيج»، عقيدةً دينية وانتماء قومياً... وتنعكس جميعها على السياسات العامة في الدور والنفوذ داخلياً وخارجياً، أي انقسام الداخل بين الدولة والنظام وثالثتهما الثورة حالياً، وبين الدور والنفوذ خارجياً وثالثتهما العزلة حالياً أيضاً.

انقسامات بسلبياتها الداخلية والخارجية، ورغم خطورتها الكبيرة على استقرار إيران السياسي، وفي أحيان كثيرة على وحدة أراضيها في بعض المراحل الحرجة، كانت سبباً في إنتاج «حيويات» سياسية داخلية في الصراع على السلطة بين أقلية عقائدية حاكمة، وأغلبية شعبية معارضة. لم تكن تنعكس انقساماتهم الداخلية على دور أو نفوذ إيران الخارجي إلا في لغة الخطابة؛ أي بين دبلوماسية ناعمة وأخرى خشنة لا تفرّق في مصالحها بين الدولة والنظام، حتى مؤتمر شرم الشيخ الأخير وغياب طهران.

بين العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو (حزيران) الماضي، وقمة شرم الشيخ قبل أيام، يتبلور انقسام إيراني مختلف عن كل ما سبقه. فالداخل الإيراني، بكل مكوّناته وتلاوينه، يقرّ بضرورة المراجعة السياسية والاستراتيجية للسياسات الدفاعية والدبلوماسية، بعد فشل الاثنتين في الدفاع عن السيادة الوطنية وفي المفاوضات الخارجية.

بدايةً من العدوان الإسرائيلي الذي نجح في تحقيق جزء مهم من أهدافه، مروراً بالانتقادات الداخلية لمستوى الدفاع والهجوم والفشل في حماية السيادة الإيرانية، وحتى الكلام القاسي الذي وجّهه الرئيس الإيراني الأسبق الشيخ حسن روحاني إلى السياسات الاستراتيجية، وما تبعه من انتقادات علنية من مستويات مختلفة من القيادات المعتدلة والإصلاحية... دفع صُنّاع القرار إلى إعادة الاعتبار للمحافظ المعتدل علي لاريجاني وتعيينه أميناً لمجلس الأمن القومي، في خطوة لترميم تداعيات العدوان وإظهار التعافي على المستوى السياسي. لكن رغم رمزية تعيين لاريجاني، فإنه لا يكفي لاحتواء القلق الداخلي وقساوة الانقسام التي ظهرت في الموقف من قمة شرم الشيخ.

وبشأن «شرم الشيخ»، اعتذر الرئيس الإيراني من عدم المشاركة، وقدّم وزير خارجيته، عباس عراقجي، مبرراته التي ربطها بنيات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، العدوانية، والضغوط والعقبات التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وهذا ما يعزّز الاعتقاد بأن موقف عراقجي وكل الجهات الداخلية والنخب التي أيّدت عدم المشاركة، مرّ بمرحلة من القلق الشديد على الاستقرار السياسي والاستراتيجي الداخلي، نتيجة شبه القناعة لدى بعضهم بأن حرباً مقبلة ضد إيران تلوح في الأفق.

في المقابل، أظهرت نخب مؤيّدة للمعتدلين والإصلاحيين عدم رضاها أو انتقادها غياب طهران عن قمة شرم الشيخ، عادّةً أن هذا الغياب هو تأسيس لغياب كامل عن الخرائط الجيوسياسية الجديدة. ويشير هذا إلى أمرين: الأول أن الميزان العسكري الأميركي هو الذي يرسم حدود الدور والنفوذ في العالم والمنطقة. الثاني أن الدبلوماسية الإيرانية خسرت فرصة عرض موقفها، وهي ضعيفة الحجة؛ إذ ترفض المشاركة في «شرم الشيخ»، لكنها تطالب بالحوار والتفاوض مع جميع المشاركين، وأن غياب الدبلوماسية الإيرانية لا تعوّضه الاستعراضات العسكرية التي فتحت الباب لقلق جديد.

عودٌ على بدء، الانقسام والقلق هنا ليسا اعتياديَّين؛ فهما ليسا مظهرَ حيوية بقدر ما يمثّلان حالة ارتباك داخلية لم يعد ممكناً تطويقها أو احتواؤها. «الانقسام على الخارج» و«القلق على الداخل» لم يعودا حكراً على صانع القرار الأوحد.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انقسام وقلق في طهران انقسام وقلق في طهران



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon