ترويض إسرائيل

ترويض إسرائيل؟!

ترويض إسرائيل؟!

 لبنان اليوم -

ترويض إسرائيل

بقلم: عبد المنعم سعيد

ماذا تفعل مع وحش هائج إذا ما راح يقتل ويذبح ويدمر سوى أن تقتله أو تروضه؟ هو اختيار إنساني بقدر ما هو أيضاً اختيار دول عندما تواجَه بدول من الطراز النازي الذي لا يطرح بديلاً للحرب، كما جرى مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية عندما جرى هزيمتها واستسلامها من دون قيد أو شرط، وفي حالة اليابان جرى استخدام الأسلحة النووية فاستسلم الإمبراطور وسلم بلاده. هذه المرة، فإن إسرائيل وصلت إلى مسافات من العدوان والإبادة الجماعية والسعي نحو التطهير العرقي لم تصل إليه من قبل إزاء الشعب الفلسطيني. وما لا يقل أهمية عن ذلك أن إسرائيل دولة نووية، ولديها تحالف غير مشروط مع الولايات المتحدة؛ والآن فإنها تترجم قوتها ليس فقط للعدوان على عواصم عربية عدة، آخرها كان في الدوحة وسبقتها بيروت ودمشق وصنعاء، وقبلها عاصمة شرق أوسطية في طهران. رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يقول إن إسرائيل التي صارت نوعاً من «إسبرطة العظمى» تقوم بإعادة «تشكيل الشرق الأوسط»؛ وتقيم فيه «إسرائيل الكبرى» التي تعرض بزهو خرائطها التي تضم أراضي دول عربية متعددة. تصريحات الرجل وأنصاره في الحكومة الإسرائيلية وخارجها تمثل شكلاً من أشكال العدوان الصريح على هذه الدول من قِبل إسرائيل.

الوحش هكذا هائج، ولا يملك المحيطون به إلا خيار الدفاع عن حدودهم وحياتهم من خلال إقامة توازن للقوى يجعل إسرائيل تفكر كثيراً قبل أن تدخل المواجهة. الوحوش أيضاً تتردد وتراجع نفسها عندما تجد خصومها تزداد قوتهم العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. بعد اجتماع قمة الدوحة للدول العربية والإسلامية، فإن العزلة الدولية للدولة العبرية تصاعدت بحيث دفعت نتنياهو إلى القول إن إسرائيل تواجه «نوعاً من العزلة» قد يستمر لسنوات، وليس لديها خيار سوى الاعتماد على نفسها. وفي حديثه خلال مؤتمر لوزارة المالية، قال إن اقتصاد إسرائيل يحتاج إلى التكيف مع «خصائص الاكتفاء الذاتي» - أي أن يصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً وأقل اعتماداً على التجارة الخارجية. كان نتنياهو هو الذي أحدث «ثورة السوق الحرة في إسرائيل» التي فتحتها على العالم، والآن فإنه بات مضطراً إلى العزلة الدولية، وفي إحدى الصناعات الرئيسية التي تواجه العزلة هي تجارة الأسلحة؛ ما قد يُجبر إسرائيل على تجنب الاعتماد على واردات الأسلحة الأجنبية. وقال: «سنحتاج إلى تطوير صناعة الأسلحة لدينا - سنكون أشبه بأثينا وإسبرطة العظمى معاً. ليس لدينا خيار، على الأقل في السنوات المقبلة عندما يُطلب منا التعامل مع محاولات العزل هذه».

تصريحات نتنياهو تُمثل اعترافاً نادراً برد الفعل الدولي العنيف الذي تواجهه إسرائيل مع تصعيدها حربها في غزة، حيث تواجه الآن حظراً جزئياً أو كلياً على الأسلحة من فرنسا، وهولندا، والمملكة المتحدة، وإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى؛ بسبب سلوكها في حرب غزة. ومع ذلك، فإن غالبية وارداتها من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة، وهذه سوف تحتاج من الدول العربية إلى المزيد من الحركة السياسية. ولسنوات، عُدَّت إسرائيل قوة اقتصادية إقليمية وعالمية، مدفوعةً إلى حد كبير بصناعتها التكنولوجية المتطورة. لكن الحرب كان لها أثر اقتصادي، وهي بالفعل الأطول والأكثر تكلفة في تاريخ البلاد. الخلاصة، أن إسرائيل عسكرياً واقتصادياً دخلت إلى مرحلة حرجة، واعتمادها على ذاتها سوف يسبب مزيداً من الحرج لأنه سوف يصبح عليها مواجهة خيارات صعبة نظراً لقلتها الديموغرافية، حيث الاختيار ما بين العسكرة والحرب أو النشاط الاقتصادي الذي يمول حرباً لا تنتهي. الضغط العربي هكذا لم يكن ضائعاً، والقرارات الدولية وبيانات المؤتمرات والإعلام العربي الذي نقل إلى الدنيا بأسرها كيف تصنع إسرائيل «هولوكوست» و«النكبة» و«المجاعة» و«التطهير العرقي» لم يشهده العالم منذ المذبحة النازية والإبادة الجماعية لليهود.

اختلفت الأدوار هذه المرة، ومع حالة الصمود الدبلوماسي في مجلس الأمن بعد الغزوة الإسرائيلية للدوحة، فكان طرح ممثلي العرب الإنساني الوحيد على إسرائيل أن تكف عن غيها، أو أن التقارب معها في الشرق الأوسط لن يكون فقط مستحيلاً، وإنما سوف يكون له ثمن فادح عالمياً وإقليمياً. وفي خطابه أمام مؤتمر القمة العربية - الإسلامية وجَّه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي وكيف أن قادته يقودونه إلى هاوية صراع لا يتوقف، ويكون مهدداً لمعاهدات السلام القائمة، ومسبباً لحالة من عدم الاستقرار لا يمكن منع أضرارها من الوصول إلى إسرائيل. الوحش الإسرائيلي لديه فرصة كبيرة للتخلص من الكتاب النازي الذي صاغ أحلامه وشكَّل أطماعه؛ وأن يعطي الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وساعتها سوف يمكنه اللحاق بإقليم يسعى بجدية للبناء والتقدم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترويض إسرائيل ترويض إسرائيل



GMT 06:53 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

مفكرة السنة الفارطة

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

هل هناك صندوق أسود للتاريخ؟

GMT 06:48 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو أمامَ محكمة الرُّبع الأول

GMT 06:45 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

قراءة في لحظة جنوب اليمن

GMT 06:43 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إصرار الحزب والتربص الصهيوني

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

«بيت من الديناميت» ووهم الأمن الأميركي

GMT 06:36 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

عام آخر جديد 2026

GMT 06:32 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

قصر موسى

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 07:42 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ابتكار طريقة لعلاج أنواع نادرة من السرطان
 لبنان اليوم - ابتكار طريقة لعلاج أنواع نادرة من السرطان

GMT 12:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الأرض تستعد لأطول كسوف شمسي خلال القرن في أغسطس 2027
 لبنان اليوم - الأرض تستعد لأطول كسوف شمسي خلال القرن في أغسطس 2027

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 22:52 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 16:07 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ضربة إيرانية تغلق جميع منشآت التكرير في حيفا

GMT 23:14 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

يوسف عنبر مدربًا للمنتخب السعودي

GMT 15:00 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

إتحاد الفروسية يختتم بطولة لبنان لموسم ٢٠٢١

GMT 13:22 2022 الأحد ,13 شباط / فبراير

مكياج خفيف وناعم للمناسبات في المنزل

GMT 23:36 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جنبلاط بحث مع شينكر في المستجدات

GMT 07:53 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

اكتشاف جديد للكشف المبكر عن مرض التوحد

GMT 14:55 2021 الخميس ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

بلبلة في بعلبك اللبنانية بعد عودة "النترات" إلى الواجهة

GMT 17:23 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ريما الجفالي أول سفيرة سعودية في سباقات فورمولا 1

GMT 12:44 2023 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأفلام الأجنبية في عام 2023

GMT 01:31 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

هزة أرضية في بحر لبنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon