في معادلة تحرير الأرض والإنسان

في معادلة تحرير الأرض والإنسان

في معادلة تحرير الأرض والإنسان

 لبنان اليوم -

في معادلة تحرير الأرض والإنسان

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

فيما يستمر نجم «كورونا» في الصعود وحصد المزيد من الأرواح وأغلبهم من أشخاص كبار السن، ثمة ظاهرة من التراخي تسود معظم دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة التي تحظى وحدها بأرقام مرعبة من المصابين والوفيات، ولا ينطبق عليها القول المأثور «على قدر أهل العزم تأتي العزائم».
صحيح أن الولايات المتحدة تحظى بخُمس الناتج القومي العالمي، حيث يصل إلى ما يقرب من واحد وعشرين تريليون دولار سنوياً، لكنها، أيضاً، دولة متقدمة جداً في كل مجالات التطور، الأمر الذي يفترض قدرتها على التمكن من محاصرة أي ظاهرة وبائية.
غير أن هذا الناتج القومي الضخم يضع الرأسمالية المتوحشة أمام معادلة إما الاقتصاد أو الإنسان.
الجواب تقدمه الأرقام وضعف الإجراءات الفدرالية المقصود في مواجهة «كورونا»، حيث إن ربع أعداد المصابين في العالم وربع الوفيات هم من الدولة الأكثر تقدماً وقدرة.
هذا يعني أن الأفضلية للاقتصاد والربح، وتخفيف الأعباء المترتبة على وجود أعداد ضخمة من المتقاعدين، والمشمولين بالضمان الاجتماعي، وملايين أخرى، من الذين تطردهم آليات التطور التكنولوجي، التي تحتاج إلى عمالة أقل.
سؤال الأولوية مطروح بقوة على الفلسطينيين لسبب خصوصية أوضاعهم.
ثمة دول أخرى تواجه صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال المعقّد، والضعفاء من هذه الدول ينهارون أمام طبيعة الأنظمة الحاكمة، ومستوى القدرات التي تملكها الدول ونموذج ذلك لبنان.
السؤال المطروح على الفلسطينيين معقّد للغاية، حيث تضع الجائحة أمامهم اختباراً صعباً. هل يناضل الفلسطينيون من أجل الأرض، أم من أجل الإنسان، فالأرض بلا بشر لا قيمة لها، والإنسان بلا أرض، يعني التشرد والضياع.
الفلسطينيون لا يملكون اقتصاداً وإمكانيات مادية، حتى يكون السؤال المطروح على الآخرين مطروحا عليهم بذات المحتوى، ولكن العوز المادي، لا يبرئهم من الإجابة عن السؤال بما في ذلك بعده الاقتصادي.
خلال المراحل الأولى من اندلاع الثورة الفلسطينية المسلحة صاغت الفصائل شعاراً جميلاً، يعتمد ثنائية منطقية تقوم على تحرير الأرض والإنسان.
السؤال هنا يذهب إلى فحص مدى نجاح أو فشل السياسات الرسمية والفصائلية في الحفاظ على هذه المعادلة. ثمة اختلال شديد بين ثنائية الأرض والإنسان، فالأرض يسرقها الاحتلال بالتدمير، والمصادرة والتهجير والاغتصاب وإقامة مئات المستوطنات ونقل مئات آلاف المستوطنين إلى الأراضي التي حرمها عليهم القانون الدولي. ورضي الفلسطينيون بأن يقيموا عليها دولتهم.
لا مجال هنا للتهرب من المسؤولية عن الفشل السياسي، وانهيار الأحلام، واستنزاف نحو ربع قرن، في مواصلة سياسة محكوم عليها منذ تجاوز العام 1999، الذي كان يفترض أن يكون عام إعلان وقيام الدولة بحسب اتفاقية أوسلو.
طبعاً، الاحتلال الخبيث مسؤول عن هذه النتيجة التي وصلنا إليها، ولكنه الاحتلال، أي العدو الذي يحرم على أي فلسطيني أن يتوقع منه الرحمة، أو المصداقية، أو الالتزام بأي قوانين أو قواعد.
والآن، ماذا عن الشق الآخر من الشعار وهو الإنسان؟ مرة أخرى تتبع دولة الاحتلال سياسة إجرامية تقوم على سرقة واغتصاب الأرض من دون إنسان فلسطيني أو بأقل عدد ممكن منهم.
يدرك الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، طبيعة وأهداف ودوافع هذه السياسة الاحتلالية، ولكنهم مرة أخرى يخفقون في المحافظة على الوجود الفلسطيني وبناء المواطن الفلسطيني القادر على الصمود.
ربما يراهن المسؤولون عن السياسة الفلسطينية بما في ذلك قادة الفصائل، كل بحسب قدرته، على الفعل والتأثير، ربما يراهن هؤلاء على أن الأم الفلسطينية ولّادة، وأنها على نحو عفوي، قادرة على خوض السباق الديمغرافي دون حاجة للتدخل استناداً إلى تقاليد عريقة وثقافة مجتمعية تعتز بعدد الأبناء والبنات. ولكن هل الارتكان على العنصر الديمغرافي الطبيعي وحده يكفي أم أن السياسة وواقع الحال يشيران إلى ظاهرة متنامية ومقلقة إزاء هجرة الشباب والكفاءات والعقول رغم كثرة الحديث والتشديد على أهمية الصمود على الأرض؟ حين نفحص الأسباب، ونضع إسرائيل جانباً فإن الصراع والانقسام الفلسطيني له صلة قوية بهذه الظاهرة. ممارسة القمع وكمّ الأفواه لها علاقة، أيضاً، وما يتعرض له الموظفون العموميون من تمييز في الحقوق وتجاهل له علاقة.
لقد أوجعتنا أخبار انتحار ثلاث حالات من بينها الشاب الناشط سليمان العجوري، وثمة، أيضاً، محاولات للانتحار لم تنجح وهذا في يوم واحد ودون الخوض في أعداد المنتحرين خلال السنوات السابقة. بالمناسبة لبنان شهدت في اليوم ذاته انتحار ثلاث حالات، ما يقودنا إلى السبب، وهو الفقر، وفقد الأمل، واليأس بعد ذلك ليس من الوجاهة إخضاع المسألة لفقه الحلال والحرام، فليتذكر هؤلاء مقولة الفاروق عمر «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».
يبدو أن الإنسان قد تحول إلى البضاعة الأرخص، دفاعاً عن المكتسبات  والحسابات دون الوطنية.
 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في معادلة تحرير الأرض والإنسان في معادلة تحرير الأرض والإنسان



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon