مُكْرَه أخاك في كييف لا بطل

مُكْرَه أخاك في كييف... لا بطل

مُكْرَه أخاك في كييف... لا بطل

 لبنان اليوم -

مُكْرَه أخاك في كييف لا بطل

بقلم: سليمان جودة

أطالع إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تنازل بلاده عن طموحها في الالتحاق عضواً في حلف «الناتو»، فأذكر قصة الرجل الذي وصفوه في موقف شبيه فقالوا: «مُكْرَه أخاك... لا بطل».

فالحرب الروسية- الأوكرانية تدخل عامها الخامس في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) المقبل، ونحن نفهم مما نرى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا مانع عنده من أن تمتد لتدخل عامها السادس، أو السابع، أو حتى العاشر. لا مانع عنده رغم خسائر جيشه وبلاده فيها، فهو لا يبالي بخسائر جيش، ولا بنزيف اقتصاد، ويواصل الحرب بقلب قوي!

القضية عنده ليست خسائر على مستوى جيش، أو بلاد، أو اقتصاد، فلقد أعطاه الله بسطة في الأرض لا تنازعه فيها بلاد أخرى، أما باطن الأرض التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة الولايات المتحدة الأميركية تقريباً، ففيه كثير من الثروات الطبيعية، وعلى ظهرها من الثروات ما هو أكثر، ولذلك كله، فإن الخسائر -رغم ضخامتها- يمكن استيعابها، والمخاطر يمكن تطويقها.

المشكلة هي عند الطرف الآخر في العاصمة الأوكرانية كييف، ومشكلته في الحقيقة مشكلتان، وربما ثلاث مشكلات. أما الأولى فهي خاصة به؛ لأنه لا يملك شيئاً من مساحة الجار الروسي، وبالتالي لا يستحوذ على شيء من ثروات الروس الهائلة، ولهذا، فإنه كمن يسحب على المكشوف من ثروات أوكرانيا التي لا تمثل الكثير عند المقارنة بالثروات الروسية.

والمشكلة الثانية أن حال الولايات المتحدة معه في أيام ترمب، ليست كحال الولايات المتحدة نفسها معه هو ذاته في أيام بايدن الذي كان قد فتح خزائن بلاده للأوكرانيين، والذي كان يفعل ذلك عن إدراك بأن هزيمة أوكرانيا في حربها مع الروس، هي في جانب من جوانبها هزيمة للمعسكر الغربي الذي تجلس واشنطن على موقع القمة فيه.

كان بايدن يقف في المربع الصحيح، وكان يتبنى وجهة النظر الأقرب للصواب من حيث علاقة بلاده تاريخياً بأوروبا؛ لكن سوء حظ الأوروبيين والأوكرانيين معاً جعل بايدن يغادر البيت الأبيض في هذا التوقيت ليأتي في مكانه ترمب.

يؤمن الرئيس ترمب بعكس ما آمن به الرئيس الأميركي السابق، وقد أمضى الرئيس ترمب سنته الأولى يعمل بما يؤمن به، ولا يزعجه في شيء أن يَقلق الأوروبيون أو أن يضجوا، وقد كان واضحاً فيما آمن به منذ البداية، ووصل تطرف إيمانه في هذا الاتجاه إلى درجة أنه بدا ميالاً إلى موسكو، من دون أن يجد في ذلك أي حرج سياسي. وكان ولا يزال أقرب إلى روسيا منه إلى أوكرانيا، أو إلى بلجيكا؛ حيث يقع مقر الاتحاد الأوروبي.

والمشكلة الثالثة لدى الطرف الأوكراني، أن الأوروبيين غير قادرين على إسعافه بما ينقذه وينقذ بلاده في المواجهة مع روسيا، ولا هُم قادرون على تعويضه عن شيء من المدد الأميركي الذي انقطع برحيل بايدن أو كاد. ولأن هذا هو الواقع على الأرض، فإن زيلينسكي رغم استبساله في الدفاع عن بلده، ورغم أنه يُلحق بالروس كثيراً من الضرر، فإنه في أوقات كثيرة يجد نفسه مع بوتين وجهاً لوجه، بينما ظهره للحائط.

ومن الواضح أن الأميركيين يتمادون في اللعب بأعصابه. ومن علامات ذلك أن الرئيس ترمب لمح مؤخراً -كما لمح من قبل- إلى أنه يمكن أن ينفض يده من الوساطة في وقف الحرب!

ولأن زيلينسكي يعرف أن بوتين يصيبه مس من الجنون كلما سمع برغبة الأوكرانيين في الالتحاق بحلف «الناتو»، ولأن الرئيس الروسي مستعد لأن يرى العفريت أمامه، ولا يرى في المقابل وجوداً لـ«الناتو» على حدوده مع أوكرانيا، فإن الرئيس الأوكراني بادر فأعلن تنازل بلاده عن طموحها في عضوية «الناتو».

هذا تطور في الموقف الأوكراني غير مسبوق منذ بدء الحرب، فلقد كانت أوكرانيا تجادل في أي شيء مع روسيا، إلا أن يكون هذا الشيء هو رغبتها في عضوية «الناتو»، وكان الأوروبيون يشجعونها على ذلك، وكان السبب أنهم يجدونها حديقة خلفية لهم بالقرب من الروس، وأن حديقة كهذه لا بد من أن تكون مشمولة بالحلف وبقدراته العسكرية.

ولكن التخاذل الأميركي مع أوروبا جعلها تذهب إلى التفكير بواقعية أكثر، وجعلها تُلقي بهذه اللقمة إلى الدب الروسي، لعله يطمئن فيوقف هذه الحرب التي لا تؤدي إلى شيء على الأرض، أكثر مما تؤدي إلى استنزاف الخزانة الأوروبية في كل نهار.

السؤال الآن: هل سيطمئن القيصر الروسي ويقتنع بأن وقف الحرب إذا كان يمثل ضرورة اقتصادية للأوروبيين، فهو يمثل الضرورة نفسها بالنسبة له؟ سوف نعرف الإجابة في الأمد القريب، ولن يطول الأمد قبل أن نعرفها. ولكن الفكرة في تضحية زيلينسكي بطموح بلاده في عضوية «الناتو»، ليست أنه بطل يبادر بما يشير إلى شجاعة منه، كما قد تبدو لنا التضحية في الظاهر، فهو مُكره على ما لم يكن يحبه ولا يريده. هو مُكره لأن عليه أن يتجرع كأساً لا يكاد يسيغها، ولو كان له أن يختار ما تجرعها، وما ذهب إلى ما ذهب إليه في أمر بلاده مع «الناتو».

إنها الحرب التي وصفها الشاعر فقال: وما الحرب إلا ما قد عرفتم وذقتم. وقد ذاق منها الأوكرانيون ومِن ورائهم الأوروبيون أكثر مما ذاق أو عرف الشاعر القديم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مُكْرَه أخاك في كييف لا بطل مُكْرَه أخاك في كييف لا بطل



GMT 19:39 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«حزب الله» خسر الحرب ويريد الربح في السياسة!

GMT 19:38 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الست»

GMT 19:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 19:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عذابات الملياردير الرقمي!

GMT 19:36 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

صهيونيّتان وإسرائيلان؟!

GMT 19:35 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عن توقيت المعارك

GMT 19:34 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

GMT 19:33 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:40 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا
 لبنان اليوم - الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا

GMT 20:31 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
 لبنان اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 09:53 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات تمنح منزلك الدفء وتجعله أكثر راحة

GMT 21:19 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة الطليعة" تعاقب اللاعبين بعد تدهور النتائج"

GMT 02:55 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أندية الأردن في أزمة كبيرة بسبب ملاعب التدريب

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

توقعات برج العقرب لعام 2024 من ماغي فرح

GMT 17:55 2023 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الباركيه في غرف النوم يمنحها الدفء والجاذبية

GMT 17:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

جنيفر ميتكالف ترتدي جاكت دون ملابس داخليه

GMT 15:16 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

قرداحي استقبل السفير التونسي وجرى البحث في الاوضاع العامة

GMT 17:29 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تصميمات Lanvin من وحي الخيال

GMT 11:27 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

جاستين بيبر يستقبل عام 2021 بتحوله لـ"ملاكم" في كليب "Anyone"

GMT 05:03 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

"Roberto Cavalli" تطرح مجموعة من المجوهرات لعام 2017

GMT 06:30 2013 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

العمل مع "الزعيم" شرف كبير وأنا لست إعلاميًا

GMT 14:20 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

اجتماع لوزراء الصحة الأفارقة حول لقاح كوفيد ـ 19

GMT 14:47 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

النفط يبلغ أعلى مستوى منذ شهور وخام برنت 53.17 دولار للبرميل

GMT 03:53 2015 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

جزيرة فوليجاندروس أجمل مكان لمشاهدة غروب الشمس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon