هند رجب تُبعث من جديد

هند رجب تُبعث من جديد

هند رجب تُبعث من جديد

 لبنان اليوم -

هند رجب تُبعث من جديد

بقلم:د. آمال موسى

عندما يكون هناك قضية وظلم واغتصاب حقوق وقهر تاريخي، لا يمكن ألا تُنتج كل هذه الأوجاع الثقيلة إلا فناً ملتزماً يثأر فيه المقهور من القاهر رمزياً عن طريق الفن وجمالياته.

فالطفلة هند رجب، التي حُوصرت داخل سيارة تحت القصف الإسرائيلي، والتي عاشت لساعاتٍ من الرعب والتوسل أملاً في الإنقاذ، إلى أن قُتلت، لم تترك المبدعة التونسية كوثر بن هنية صوتها يخرس، كما يفعل القتل عادة، بل إنّها ارتقت بصوتها إلى الرمزية والذاكرة، فكان التصفيق الحارّ في مهرجان فينيسيا، الأسبوع الماضي، على الفيلم الحامل لصوتها وللجريمة البشعة التي كانت ضحيتها الطفلة هند رجب.

استمر التصفيق 24 دقيقة، ولولا صعوبة التصفيق لامتدّ لساعات من دون توقف، ليتناسب مع تفاصيل توسلها ساعات وهي محاصَرة. ولا شك في أن الطفلة هند كانت في حصارها ذلك خلاصة فلسطين الأرض والشعب والقضية المحاصَرة منذ وعد بلفور الذي قلَب حال فلسطين والعرب إلى اليوم.

لذلك فإن المخرجة التونسية كوثر بن هنية الجادة المعروفة بحسّها الإنساني العالي التي تجيد التقاط حالات الوجع، تستحق التقدير؛ ليس فحسب لتخصيصها فيلماً عن هند رجب وتوثيق الجريمة بالكاميرا والمشاركة بصوت هند في مهرجان سينمائي كبير مثل مهرجان فينيسيا، وسط حضور فني وإعلامي هائلين، مع ما يعنيه ذلك من فرصة لإيصال صوت هند أكثر فأكثر... بل بالدرجة الأولى لفضح إسرائيل والانتصار لغزة وأهلها.

ليس هذا الإنتاج هو مصدر تقدير للمخرجة، وفق اعتقادنا، بل هو واجب على كل مبدع حقيقي؛ لأن الإبداع هو الشيء الوحيد الذي ظلّ يدافع عن إنسانية الإنسان بضعفه وكيانه الوجداني والروحي. لقد عرَّضت كوثر بن هنية مستقبلها السينمائي، من خلال هذا الإنتاج، لشيء من التهديد والحصار سينمائياً.

أظن أن العارفين بعوالم السينما يدركون جيداً سيطرة الشركات الإسرائيلية المنتِجة للأفلام على هذا المجال، بل إن من أهم أسباب قلة الأفلام في تونس، والمغرب العربي عموماً، رغم جودتها وكفاءة المبدعين السينمائيين هو ضعف التمويل السينمائي. وكي تصنع أفلاماً فمن الصعب الاستغناء عن التمويل، الذي تقوم به شركات سينمائية ذات جنسية إسرائيلية، الأمر الذي جعل غالبية السينمائيين المغاربة يُنتجون سينما الذات أو ما يسمى سينما المؤلف ابتعاداً عن كل ما قد يغلق أبواب التمويل لأفلامهم.

لذلك فإن فيلم «صوت هند رجب»، الذي فاز بجائزة «الأسد الفضي» في مهرجان فينيسيا ونال التقدير، سيغلق بعض مصادر التمويل السينمائي المُهيمنة إسرائيلُ على جزء وافر منها... وهنا تكمن شجاعة المخرجة واستحقاقها التقدير لأنها انتصرت لمأساة هند وللقضية، ولم تختر غض الطرف من أجل الدعم. فالمبدع الحق موقف أو لا يكون.

إن إنتاج فيلم حول مأساة الطفولة في قطاع غزة ومعاناتها منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى اليوم (طبعاً قبل ذلك لم يكونوا في رغد من العيش والاستقرار والسلام)، إنما هو ضرورة لتخليد جرائم العدوان الإسرائيلي على الأطفال في غزة باعتبار أنها حرب استهدفت الأطفال بشكل لم يسبق له مثيل في أي حرب أخرى. فعادةً الأطفال هم ضحايا بالصدفة في الحروب، خلافاً لإسرائيل التي استهدفت أطفال قطاع غزة بشكل مُمنهج، الأمر الذي جعل الخسائر تبلغ نحو 17 ألف طفل، بينهم أكثر من ألف رضيع، وقرابة 5000 تتراوح أعمارهم بين السنة والخمس سنوات، والبقية من الفئات العمرية 12-17. وتقول بعض التقارير إن عدد الأطفال، الذين تم قتلهم في حرب غزة هو أكثر من عدد الأطفال القتلى في حروب العالم، خلال الأعوام الأربعة الماضية.

لا يوجد أي شك في أن الدبابة الإسرائيلية معنية بتقتيل أطفال غزة، أولاً لأن في قتلهم قتل الجيل القادم والمقاوم القادم وإفراغ القضية الفلسطينية من شعبها واستمراريته عبر الأجيال.

فالدبابة الإسرائيلية موجهة ضد الأطفال مع سبق الإصرار باعتبارهم هدفاً بشرياً استراتيجياً، خاصة أن الشعب في القطاع يتميز بحضور فئة الأطفال بنسبة 43 في المائة، وهي نسبة باعثة على الأمل والاستمرارية، فكان لزاماً أن يكون التقليص من هذه النسبة العامل القوي في القضية الفلسطينية من أجل إضعاف آلة الصمود.

من أجل كل هذا وغيره كان لا بد من فيلم يوثّق الجريمة بحق آلاف الأطفال في غزة، الذين قُتلوا من دون رحمة، وحتى الذين لم تطلهم رصاصات العدوان الإسرائيلي فقد تكفّل بهم الجوع وسوء التغذية والإعاقات وعيش طفولة مهدَّدة، بأتم معنى الكلمة.

شكراً جزيلاً للمخرجة التونسية القديرة كوثر بن هنية على شجاعتها، والشكر موصول أيضاً لكل من شارك في فضح إسرائيل التي تستقوي على الأطفال.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هند رجب تُبعث من جديد هند رجب تُبعث من جديد



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon