ترمب وزهران ما «أمداك» وما «أمداني»

ترمب وزهران... ما «أمداك» وما «أمداني»

ترمب وزهران... ما «أمداك» وما «أمداني»

 لبنان اليوم -

ترمب وزهران ما «أمداك» وما «أمداني»

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

الصلة بين العربية الفصحى واللهجات العربية المعاصرة تختلف اقتراباً وبعداً بحسب الموقع الجغرافي والبيئة المعيشة ودرجة الاحتكاك بالثقافات الأخرى، وبالأعاجم، وصلة شعوب الجزيرة العربية باللغة العربية صلة وثيقة لا في الفصاحة فحسب، بل وفي الشعر والأدب والصور الشعرية والأمثال.

يستخدم عرب الجزيرة العربية المعاصرين وبخاصة في السعودية، عبارة ما «أمداني»، بمعنى أنني لم أدرك الوقت أو لم أدرك الفهم، وهي تستخدم كثيراً في هذا السياق، ومن هنا فإن اسم عمدة نيويورك الجديد زهران ممداني له إحياءٌ بمعنى سياسيٍ يمكن التأمل فيه.

ولكأن ترمب يقول له ما «أمداك» تفوز بالانتخابات حتى بدأت المواجهة معي، وما «أمداني» أستوعب هذه المواجهة الجديدة التي برزت فيها في وضع استثنائي وغريبٍ وجديدٍ على تاريخ أميركا لأتصرف معك.

الترمبية الجمهورية اليمينية ليست هي المطلوب عربياً بشكلٍ واضحٍ، ولكنك لا تفصل الدول العظمى على مقاسك، بل تحسن التعامل معها بحسب قوتك وسياساتك، ولكنها بكل الأحوال خيرٌ من الأوبامية الديمقراطية اليسارية الليبرالية، التي أصبحت مع «ممداني» اشتراكيةً وهي البلاء المقيم، والتاريخ الحديث خير شاهدٍ.

جرى في العالم العربي ابتهاجٌ بفوز ممداني عبر قنواتٍ فضائية ووسائل تواصلٍ اجتماعي باعتباره انتصاراً لـ«غزة» على التواطؤ بين «ترمب» و«نتنياهو» وأنه يبشر بعودة اليسار الليبرالي داخل الحزب الديمقراطي بصورةٍ أكثر تطرفاً من «أوباما» و«بايدن»، ومن هنا انتعشت جماعات الإسلام السياسي بفوز «ممداني» بوصفه مسلماً يتحدث شيئاً من العربية بتكسيرٍ وزوجته عربيةٌ سوريةٌ، وهو معادٍ لترمب على طول الخط، والصحيح أن هذا الاحتفاء هو بسبب التحالف القديم بين اليسار وجماعات الإسلام السياسي والتبادل الطويل بين الطرفين على مستوى المفاهيم والتنظيمات، والأساليب والطرائق.

ومن هنا يتجلّى سؤال مهم، ما هو الخير الذي سبق أن رأته الشعوب العربية من اليسار؟ الشيوعي أو الاشتراكي أو الليبرالي؟ هل يجب أن نفرح فرح المراهقين لأن «ممداني» مسلمٌ بشكلٍ ما ويتحدث بعض العربية؟ وننسى أن «عبد الناصر» وناصريته، وصدام حسين وبعثيته، والقذافي واشتراكيته، جميعهم كانوا أكثر إسلاماً وعروبةً واشتراكيةً من «ممداني»؟ فهل نغض الطرف عنه عاطفياً أم نحاكم طروحاته وأفكاره بعقلانيةٍ وواقعيةٍ بعيداً عن هتافات أعداء الترمبية ولاءً للأوبامية واليسار الليبرالي الأميركي والغربي، لا خصومةً مع سياسات ترمب الخاطئة والتي تستحق الخصومة معها؟

التطرف الإسرائيلي مع «نتنياهو» وصل حداً لا يمكن للعالم أن يتحمله، وقد أصبح الشعب الأميركي مستعداً للتخلي عن إسرائيل وعن عنجهيتها ومجازرها، وهو ما أدركته إسرائيل متأخرةً وباتت تسعى لوضع خططٍ لاستعادة تأييد الشعب الأميركي بعد صدمة انتخابات نيويورك، والخبر منشور في موقع «العربية نت».

لنعد لأعظم إمبراطورية في التاريخ أميركا، ونتفق أن ترمب سمح لنتنياهو بتدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من سكانها بتواطؤ من «حماس»، وهذا خطأ سياسي في التقدير، ولكن من الجهة المقابلة فإن «أوباما» سمح فيما كان يعرف بالربيع العربي بقتل وتشريد وتهجير عشرات الآلاف والملايين في مصر وليبيا واليمن، وسمح لبشار الأسد بارتكاب المجازر تلو المجازر، وباستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وأن يواصل لسنواتٍ استخدام البراميل المتفجرة، وكان أوباما يضع خطوطاً حمراء لنظام الأسد، واتضح أنها خطوطٌ وهميةٌ لم يلبث الأسد أن أدمن تجاوزها، وبرؤيةٍ ووعيٍ اختار أن يتحالف مع جماعات الإسلام السياسي سنياً وشيعياً، وهو من تبنى أكثر الاتفاقات الدولية فشلاً عبر التاريخ حين وقع «الاتفاق النووي» مع إيران وسمح لها بالتمدد في المنطقة ونشر الإرهاب والطائفية الدموية.

الدولة الوطنية الحديثة هي الأساس في العالم العربي اليوم، لا القومية العربية ولا الأممية الإسلاموية، وفقاً لتطور التاريخ المعاصر، ومن هنا فإن «ممداني» ربما داعب عواطف شعوب بعض الدول العربية، ولكنه بالتأكيد سيصطدم بسياسات وتوجهات دولٍ عربيةٍ قويةٍ وفاعلةٍ وسيصطدم بطموحاتٍ وآمال شعوبٍ عربيةٍ قويةٍ ومتعلمةٍ وفاعلةٍ، فهو واهمٌ حين يخاطب بعض الأقليات العربية في نيويورك أنه يستطيع مخاطبة الدول العربية والإسلامية وشعوبها، وعليه أن يعيد الكثير من النظر في خطابه وتوجهاته تجاه العالم.

«اليسار الإسلامي» الذي بشر به الإخواني مصطفى السباعي في كتابه «اشتراكية الإسلام» وحذر منه الإخواني الغزالي في كتابه «الإسلام في مواجهة الزحف الأحمر»، وسماه مصطفى محمود «أكذوبة اليسار الإسلامي»، وهو ما يفسر الوقوف القوي من الإسلامويين خلف السيد «زهران ممداني».

أخيراً، فليس غريباً أن يدافع الإسلامويون عن اليسار فهم من منبع واحدٍ يصدرون، ولكن الغريب حقاً وغير المفهوم أن تتصدى لدعم التحالف اليساري الإسلاموي أسماء مهمة في عالم الثقافة والسياسة والكتابة العربية، وهو ما يحتاج لتأملٍ وتعمقٍ للفهم والتحليل.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب وزهران ما «أمداك» وما «أمداني» ترمب وزهران ما «أمداك» وما «أمداني»



GMT 19:39 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«حزب الله» خسر الحرب ويريد الربح في السياسة!

GMT 19:38 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الست»

GMT 19:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 19:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عذابات الملياردير الرقمي!

GMT 19:36 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

صهيونيّتان وإسرائيلان؟!

GMT 19:35 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عن توقيت المعارك

GMT 19:34 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

GMT 19:33 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:40 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا
 لبنان اليوم - الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا

GMT 20:31 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
 لبنان اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 09:53 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات تمنح منزلك الدفء وتجعله أكثر راحة

GMT 21:19 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة الطليعة" تعاقب اللاعبين بعد تدهور النتائج"

GMT 02:55 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أندية الأردن في أزمة كبيرة بسبب ملاعب التدريب

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

توقعات برج العقرب لعام 2024 من ماغي فرح

GMT 17:55 2023 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الباركيه في غرف النوم يمنحها الدفء والجاذبية

GMT 17:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

جنيفر ميتكالف ترتدي جاكت دون ملابس داخليه

GMT 15:16 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

قرداحي استقبل السفير التونسي وجرى البحث في الاوضاع العامة

GMT 17:29 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تصميمات Lanvin من وحي الخيال

GMT 11:27 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

جاستين بيبر يستقبل عام 2021 بتحوله لـ"ملاكم" في كليب "Anyone"

GMT 05:03 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

"Roberto Cavalli" تطرح مجموعة من المجوهرات لعام 2017

GMT 06:30 2013 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

العمل مع "الزعيم" شرف كبير وأنا لست إعلاميًا

GMT 14:20 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

اجتماع لوزراء الصحة الأفارقة حول لقاح كوفيد ـ 19

GMT 14:47 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

النفط يبلغ أعلى مستوى منذ شهور وخام برنت 53.17 دولار للبرميل

GMT 03:53 2015 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

جزيرة فوليجاندروس أجمل مكان لمشاهدة غروب الشمس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon