سوريا مشروع «مارشال» العربي

سوريا... مشروع «مارشال» العربي

سوريا... مشروع «مارشال» العربي

 لبنان اليوم -

سوريا مشروع «مارشال» العربي

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

تعقيدات المشهد السوري اليوم تكتنز كلَّ تعقيدات السياسة والجغرافيا والتاريخ، وكلَّ تشابكات الهويات والآيديولوجيات والمصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط، وكل من تعلم أن الحياة حقٌ وباطلٌ، أبيض وأسود، لن يستطيع التعايش مع الأوضاع الجديدة في سوريا فضلاً عن أن يجد لها حلولاً ناجعة.

مشروع «مارشال» مشروعٌ أطلقته الدول الغربية بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية لإنقاذ ألمانيا المهزومة، وقد دفعت فيه عشرات الملايين من الدولارات لكي تستعيد ألمانيا قوتَها ولا تنهار انهياراً كاملاً بعد الهزيمة، وذلك خلافاً لما صنعت أميركا في أفغانستان والعراق، اللذين لم يشفيا من هزائمهما بعدُ، على الرغم من مرور ربع قرنٍ، وعاثت فيهما الأصولية والإرهاب والطائفية، وسوريا اليوم يجب ألا تسير في هذا الطريق السيئ.

أطلقتِ الدولُ العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج مشاريعَ عدةً لإنقاذ الدول أو الشعوب العربية على مدى عقودٍ من الزمن، والدولة السورية والشعب السوري اليوم بحاجةٍ ماسةٍ إلى «مشروع إنقاذٍ عربيٍ» أو «مشروع مارشالٍ» عربيٍ حقيقيٍ ومتكاملٍ، يصرّ على وحدة الأراضي السورية وحماية كل مكونات الشعب السوري ويرفض أي اعتداءاتٍ من أي طرفٍ ضد الآخر، سواء من الحكومة أم من أحد المكونات، ويرفض أي تدخلاتٍ خارجيةٍ من إسرائيل أو من غيرها.

سقوط نظام الأسد ليس نهاية التاريخ، بل بداية صفحةٍ جديدةٍ منه، صفحة يجب بناؤها بعقلٍ سياسيٍ حصيف وقراراتٍ دبلوماسيةٍ راقيةٍ تتحسس أدق المخاطر وتتلمس أعمق المخاوف وتعالج المتغيرات، وبكل صدقٍ وأمانةٍ فالإدارة الجديدة للحكم في سوريا بحاجةٍ إلى كثيرٍ من الدعم الفكري والسياسي والدبلوماسي والأمني قبل الاقتصادي، لتستطيع النجاة بسفينة سوريا في خضم عدم الاستقرار الداخلي، والتغيير الواسع في منطقة الشرق الأوسط، حتى تستطيع الوقوف على قدميها مجدداً.

على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، تعلمت البشرية أن خطاب الثورة يختلف تماماً عن خطاب الدولة، وأن نجاح الثورات يجعلها بالضرورة تصطدم أول ما تصطدم بجنود الثورات المخلصين، المقاتلين الشرسين، وهم مَن يتصدون بطبيعة البشر لرفض أي حلولٍ وسطية أو توافقاتٍ.

التصرفات التي ارتكبت في «السويداء» من أطراف عدة توضح حكمة كونفوشيوس حين قال: «عندما تقف بعوضة على مناطقك الحساسة، حينها فقط ستدرك أن هناك طريقة لحل المشكلات دون عنف»، وهي حكمةٌ تاريخيةٌ يجب أن يتعلمها الجميع ممن وجدوا أنفسهم فجأةً أحراراً.

التاريخ في أحيانٍ كثيرةٍ أقوى من السياسة، والسياسي المحنك هو من يستطيع تطويعه لخدمة أهدافه النبيلة، لا معاندته ومصادمته، وفي سوريا ما بعد الأسد كثيرٌ من التاريخ المهمل أو الذي عُدّ جانبياً وهامشياً، ولكنه يعود في كل مرةٍ ليسيطر على المشهد برمته، ويخلط الأوراق ويبعثر المعادلات.

الأقل معرفةً فقط ينظرون لتعقيدات المشهد السوري دينياً وطائفياً ومذهبياً وعرقياً، وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، على أنه مشهد بسيط يمكن التعامل معه عبر معادلةٍ بسيطةٍ جداً، وكثيرٌ منهم لا يدرك حقاً حجم التعقيدات والتشابكات والأبعاد التي قد تؤثر بشكلٍ فاعلٍ وقويٍ على المشهد كله.

يستطيع أي مراقبٍ للمشهد أن يقول للدروز استمعوا لـ«وليد جنبلاط» إنه يختصر لـ«بني معروف» قروناً من الزمن في حكمةٍ صافيةٍ ووعيٍ سياسيٍ للنجاة ضمن التعقيدات كما يشهد تاريخه الطويل، كما يجب أن تخلق الدولة السورية الجديدة جهةً استشاريةً تكون ملجأً للرأي والحكمة، وقد علمنا التاريخ أن الثورات الناجحة تأكل أبناءها.

من الواجب على أصدقاء سوريا من الدول العربية أن تضع ضمن «مشروع مارشال» لإنقاذ سوريا توفير العقول والكفاءات التي تعين صانع القرار السوري على اتخاذ القرارات لمصلحته ومصلحة سوريا وشعبها ومصلحة المنطقة ككل، وأن ما يمكن تحصيله من دون القوة هو أجدر وأبقى أثراً مما يمكن تحصيله بالقوة، إذ لا تبنى الدول بعد الثورات إلا على «قوة التواضع» النابعة من كل مكونات الشعب.

أخيراً، فساحل العلويين وسويداء الدروز ومناطق «قسد» الكردية كلها مناطق سوريةٌ أصيلةٌ، ولكن التعامل معها جميعاً يجب أن يكون واعياً بالهويات القديمة وتشابكاتها المعقدة ومخاوفها العميقة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا مشروع «مارشال» العربي سوريا مشروع «مارشال» العربي



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon