إيران وإسرائيل وصراع الهويات

إيران وإسرائيل وصراع الهويات

إيران وإسرائيل وصراع الهويات

 لبنان اليوم -

إيران وإسرائيل وصراع الهويات

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

إسرائيل «اليهودية» أو شعب الله المختار أو «الصهيونية» بوصفها حركة سياسية متطرفة، مقابل إيران «الثورة الإسلامية» أو «الطائفية والتشيع السياسي» و«محور المقاومة» في مواجهة بعضهما بعضاً بطريقةٍ غير مسبوقةٍ وإن جاءت بعد تراكماتٍ تاريخية.

منطقة الشرق الأوسط هي منبع الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، وهي أديان تمتلك تصوراتٍ متشابهةً نوعاً ما عن تاريخ البشرية وكيفية نشوئها وأسباب ذلك ونهايته، من الحياة الدنيا والحياة الآخرة، والبعث والجنة والنار، وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهي تختلف عن غيرها من الأديان مثل الديانة اليونانية القديمة أو الزرادشتية الفارسية أو البوذية وغيرها من الأديان.

الصراع العربي الإسرائيلي ملأ عشرات الكتب في نقاشات تاريخية وإثنية وآيديولوجية لا يمكن أن تنتهي لأنها في جزء كبير منها لا علاقة لها بالسياسة، بل بالإيمان، ونهايتها يجب أن تكون بفناء الطرف الآخر قتلاً وإبادةً ووحشيةً، وهذا أمرٌ لا علاقة له بالسياسة.

الحركة الصهيونية هي حركة يهودية سياسية تقوم على أفكار اليهودي النمساوي هرتزل وتدعو لرفع الاضطهاد والمظلومية عن «الشعب اليهودي» وضمان عودته من «الشتات» إلى أرضه في «فلسطين»، وقد ساعدت محرقة اليهود «الهولوكوست» و«معاداة السامية» بأوروبا في تعزيز هذه الحركة، وصولاً لإقامة دولة إسرائيل، في تفاصيل متشعبةٍ تختلط فيها السياسة بالاقتصاد بالآيديولوجيا والدين والخرافات والإثنية، وعملياً قامت دولة إسرائيل منذ 1948 وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية حقبة الاستعمار، وخاضت مع الدول العربية صراعاً استمر لعقودٍ من الزمن بما تخلله من حروبٍ وهدنٍ، وصولاً إلى معاهدات السلام ومبادرات السلام.

في المقابل، نشأت في العالم العربي والإسلامي حركاتٌ منظمةٌ بعد سقوط الخلافة العثمانية 1924 في مصر والهند وغيرهما لوراثة هذه الخلافة، وهي حركاتٌ دينية - سياسية صارت تعرف لاحقاً بحركات الإسلام السياسي، وهي تقوم على فكرة أن الجماعات السياسية الدينية المنظمة يمكن أن تُسقط الدول والحكومات، وتتولى الحكم بنفسها مع كل ما يستلزمه ذلك من خلق آيديولوجيا تخلط الدين بالسياسة وتقوم على «الطاعة المطلقة» وتخلط بين العمل العلني والعمل «السري» المنظم والعنيف.

وقد قامت في المذهب الشيعي حركاتٌ مشابهةٌ بسبب التأثر بجمال الدين الأفغاني فكرياً لمنطقه الديني والسياسي، وتنظيمياً لقناعته الراسخة بالحركة الماسونية في زمنه، وبدأ التواصل مبكراً بين هذه الحركات الشيعية مع جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا وأديبها سيد قطب، وأفضل من يعبر عن هذا التأثير هو شخصية بالغة التأثير في المعارضة الدينية الإيرانية، آية الله الكاشاني، الذي يعد الخميني امتداداً له ولحركة «فدائيان إسلام» التي كان يقودها نواب صفوي.

سعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تشييع التسنن قليلاً، وسعت المعارضة الدينية الإيرانية إلى تسنين التشيع الذي نجح فيه الخميني بعد الثورة، وبعد فشل الخميني في «تصدير الثورة» عبر الحرب المباشرة مع العراق لثماني سنواتٍ، انتهج المرشد الثاني «خامنئي» نهجاً جديداً يقوم على «التشييع السياسي»، وعادت حركات الإسلام السياسي السنية وانضوت تحت لوائه، من جماعة الإخوان المسلمين إلى «السرورية» إلى حركة «حماس» وتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، ونجح في بناء الميليشيات المسلحة التي تمثل «توحش الأقليات»، مثل «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، والميليشيات في سوريا، وحركة «الحوثي» في اليمن.

وبعد تشيع حركة «حماس» سياسياً التقت على قدرٍ في فلسطين تيارات المظلومية التاريخية في المنطقة، إسرائيل وشعب الله المضطهد، وإيران ومظلومية أهل البيت، مع الظلم التاريخي الشنيع الواقع على الشعب الفلسطيني، وموقف الدول الغربية وأميركا من هذه المظلوميات يشرح كثيراً من تفاصيل الصراع القائم اليوم بين إسرائيل وإيران، الذي يهدد بإحراق المنطقة.

إسرائيل بدأت تستعيد سلاح الردع القاسي الذي حرصت على بنائه منذ تأسيسها، في منطقة لا تنتمي إليها، وهذه المرة في مواجهة إيران الساعية منذ عقودٍ لبسط هيمنتها بأحلام الثورة الإسلامية وأوهام الإمبراطورية الفارسية، ومن الأوهام المسيطرة في قراءة المشهد اليوم أن هذه السياسة الإسرائيلية تتعلق بشخص بنيامين نتنياهو فقط، بينما هي مدعومة بقوة داخل إسرائيل، والخلاف هو في طريقة التعبير عنها فقط.

أخيراً، فمع النهضة التاريخية التي تشهدها دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية والإمارات، والتي تخيف دول الصراع المحتدم في المنطقة، يجب استيعاب كل هذه الخلفيات، قديمها وحديثها، التي تمثل كل تفاصيل «الهويات القاتلة»، لأن الغفلة أو التغافل عنها تحت أي مبررٍ هو تغافل بالغ الخطورة، وشأن هذا الصراع الهوياتي بجميع أبعاده أخطر من أن يترك للغة الأرقام أو «السوشلة».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وإسرائيل وصراع الهويات إيران وإسرائيل وصراع الهويات



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 19:02 2021 الثلاثاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

النجمة يخرج العهد من كأس لبنان

GMT 18:52 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجامعة اللبنانية وزعت نبذة عن رئيسها الجديد بسام بدران

GMT 15:33 2021 الإثنين ,05 تموز / يوليو

46 حالة جديدة من متحوّر “دلتا” في لبنان

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon