ما البديل أمام «حزب الله»

ما البديل أمام «حزب الله»؟

ما البديل أمام «حزب الله»؟

 لبنان اليوم -

ما البديل أمام «حزب الله»

بقلم:سام منسى

فجر الجمعة الفائت، دخلت المنطقة منعطفاً خطيراً مع الضربة الإسرائيلية المباشرة التي طالت المنشآت النووية في عمق إيران والرد الإيراني عليها. من المبكر التعليق على نتائج هذه العملية التي قد تفتح الباب أمام مواجهة إقليمية مفتوحة تتجاوز طبيعة «النزاع المنضبط»، وتضع كل ساحات النفوذ الإيراني، ومنها لبنان، في دائرة الاشتعال المباشر أو التوظيف السياسي المكثّف.

قبل 13 يونيو (حزيران) كان يمكن اعتبار الاستفزازات والأعمال العدائية المتكررة ضد القوات الدولية (اليونيفيل) المنتشرة في جنوب لبنان بموجب القرار 425 لعام 1978، مجرد رسائل ظرفية أو أدوات تفاوضية في يد طهران تُنفّذ عبر «حزب الله». فهذه القوات المولجة بثلاث مهام رئيسية: التحقق من الانسحاب الإسرائيلي، واستعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها في الجنوب؛ باتت هدفاً متكرراً لهجمات «صبيانية» تُنسب شكلياً إلى «الأهالي»، وهذا مستبعد بالنظر إلى الفوائد الاقتصادية والأمنية والسياسية لوجودها؛ إذ إنها لعبة إيرانية مألوفة: شراء الوقت والمراوغة عبر افتعال أزمات جانبية لم تنجح في تأجيل استحقاقات كبرى.

لكن اليوم، تغيّرت المعادلة. الحرب الإسرائيلية على إيران قلبت المشهد رأساً على عقب، وبدّلت وظيفة سلاح «حزب الله» من أداة ردع إقليمي بحسبه إلى عبء داخلي مستنفد؛ إذ لم يعد لهذا السلاح جدوى فعلية في حماية إيران كما يتبين، ولا هو قادر على ردع إسرائيل. ومن هنا، يُطرح السؤال الجوهري: ما البديل أمام الحزب وإيران؟

الحزب ورعاته يعرفون أن تجرّع كأس سم نزع السلاح لا مفرّ منه، وبخاصة بعد التطورات الأخيرة وتداعياتها المرتقبة عليه، لذلك يحاولون الحصاد في السياسة. الأرجح يتمثّل في التحوّل إلى سيناريو جديد: الانتقال من التمسك بشرعية السلاح إلى شرعية التمثيل الحصري للطائفة الشيعية عبر صناديق الاقتراع، بما يحصّنه داخلياً ويمنحه هامش مناورة أكبر خارجياً. وهو ما تعززه المعطيات الداخلية؛ إذ تشير المؤشرات إلى سعي الحزب لإعادة تنظيم قواعده وتعبئة مناصريه استعداداً للانتخابات التشريعية المقبلة. الهدف: تجديد شرعيته من خلال الغلبة السياسية، وتكريس موقعه باعتباره قوة «شرعية» مهيمنة، تمسك بمفاصل القرار من داخل المؤسسات، لا من خارجها فقط؛ وبخاصة إذا جرت الانتخابات بمناخ سياسي يحاكي الحال الحاضرة، وهو الأمر الأكثر رجحاناً.

هذا التحوّل لا يعني التخلي عن السلاح فوراً، بل الإبقاء عليه بوصفه ورقة احتياطية تفاوضية، بينما تُمارس السلطة باسم «الشرعية الانتخابية». وهنا تكمن خطورة هذا السيناريو، بأبعاده الثلاثية، أولها ترسيخ آيديولوجيا مذهبية راديكالية، تسعى لتحويل الطائفة الشيعية من مكوّن وطني إلى كيان حزبي مغلق، يدين بالولاء لمرجعية الولي الفقيه. ثانيها، تجويف النظام الديمقراطي التعددي في لبنان عبر اختزال طائفة بأكملها بحزب واحد، ما يحوّل الديمقراطية إلى واجهة لنظام طائفي شمولي مُقنّع. وثالثها، تعطيل الدولة باسم حماية الطائفة، وعرقلة أي إصلاح دستوري أو اقتصادي أو إداري لا يخدم أجندة الحزب، ما يعيد إنتاج مأزق النظام اللبناني ويبدد ما بقي من مكتسبات اتفاق الطائف.

ما نشهده اليوم ليس مجرد تحّول سياسي، بل هجمة استراتيجية على الدولة اللبنانية التي لا يجوز الاستهانة بما يواجهها من ضغوط شديدة: أميركا وإسرائيل من جهة، وتعقيدات العلاقة مع «حزب الله» وبيئته والقوى السياسية المناهضة له من جهة ثانية، والتداعيات المرتقبة للحرب بين إيران وإسرائيل من جهة ثالثة، والتي يصعب التكهن بمآلاتها. يضاف إليها سيناريو غزة، الذي قد لا ينتهي ما لم تتخلَّ «حماس» عن سيطرتها على القطاع، وفي حال تحقق ذلك، سيكون لبنان هو المساحة الوحيدة المتاحة أمام إيران للحفاظ على بنية مسلحة منظمة.

أمام هذا الواقع، النيات الحسنة والمواقف الكلامية لم تعد تكفي. لا بد من الإفادة من الفرصة المزدوجة المتاحة اليوم: أولاً، ما تبقى من مظلة التضامن العربي والدولي، وثانياً، تداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية على حلفاء إيران، لا سيما «حزب الله». وفي هذا السياق، يمكن الاقتداء بالموقف الجريء الذي اتخذه الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي تعاني بلاده، كما لبنان، من تحدي السلاح غير الشرعي، حين خاطب القوى العربية المعتدلة والولايات المتحدة بوضوح، مدركاً أن إنقاذ بلاده يمر عبر التحالف مع القوى العقلانية، لا عبر مواصلة الارتهان لمحور مأزوم.

التطور النوعي المتمثّل في شنّ إسرائيل ضربة مباشرة لإيران يعيد رسم خريطة التهديدات في المنطقة، ويُسقط ورقة التوت عن كثير من التحركات «المموّهة». فجنوب لبنان، الذي طالما استخدمته طهران باعتباره ورقة تفاوض عبر «حزب الله»، مرشح الآن للتحول إلى ساحة تصعيد متقدمة. الاعتداءات على «اليونيفيل»، التي بدت كأدوات تفاوضية، قد تتخذ طابعاً أكثر راديكالية في ظل الحرب المفتوحة، ما يضع لبنان أمام سيناريو أكثر سوداوية: الانزلاق إلى صراع لا يملك أدوات التأثير فيه، لكنه يتحمل تكلفته بالكامل.

السكوت عن هذه المؤشرات اليوم، هو تهيئة لأزمة وطنية كبرى غداً.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما البديل أمام «حزب الله» ما البديل أمام «حزب الله»



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية

GMT 13:08 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

أمير منطقة الرياض يرأس جلسة مجلس المنطقة

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد

GMT 11:29 2012 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

ضرائب متراكمة على النجمة باميلا أندرسون

GMT 13:54 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

المحرق ينظم مهرجانه الخامس عشر بمناسبة الأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon