أين تريد أن تكونَ في العام المقبل

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

 لبنان اليوم -

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل

بقلم : إياد أبو شقرا

علَى المستوى الشخصي، أنا لستُ من الذين يميلونَ إلى الجزمِ في أي أمر، حتى إذا توافرت لديّ معطياتٌ أرى أنَّها كافية لتبنّي موقفٍ ما. لكنَّني الآن سأفعل، وأقول إنَّ العالمَ في مثل هذا اليوم من العامِ المقبل سيكون في وضعٍ مختلفٍ جداً...

وضعٍ خطرٍ، ومفتوحٍ على كلّ الاحتمالات!

قبل أسبوعين تقريباً سمعت من مصدر، أحترم علمَه ومعرفتَه، أنَّ التطبيقَ الفعلي للذكاء الاصطناعي، في شتّى مناحِي حياتنا، باتَ مسألةَ أشهر... لا سنوات. وبالأمس، في العشاءِ الملكي الذي نظّمه العاهلُ البريطانيُّ تشارلز الثالث لضيفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قلعة وندسور الملكية، غربي لندن، كانَ بين المدعوين الـ160 إلى المأدبةِ العامرة أساطينُ المالِ والسياسةِ والنفوذ، يتقدّمهم مالكُو التكنولوجيا المستقبليةِ المتقدمة.

هذه التكنولوجيا، وعلى رأسِها الذكاءُ الاصطناعي، هي التي تحكمُ البشرية الآن... وتتحكّم فيها.

مالكُها هو الحاكمُ الحقيقي للعالم. والسبب أنَّها «المالك الفعلي» لمعظم حكومات دول العالم، وأحزاب السلطة، والمجموعات المصلحية والإعلامية، ومؤسّسات «تكوين» الرأي العام - و تضليله - سواءً عبر النشر والبث الرقمي... أو التجسّس والرصد و«التحرّي» السيبراني و«ما بعد السيبراني».

هؤلاء «الحكّام المالكون»، على الرغم من تنافسهم الشرس فيما بينهم على مليارات الدولارات، تجمعهم مصالحُ كبرى مشتركة، سياسية وفئوية، ضد منافسين يبزغون هنا وهناك، لا سيما في الشرق الأقصى.

لقد تصدّر الحضور في وندسور، من «أسياد» التكنولوجيا الجديدة، جنسن هوانغ رئيس «إنفيديا»، وَسام أولتمان رئيس «أوبن إيه آي»، وتيم كوك رئيس «أبل»، وروبرت مردوخ مالك «فوكس نيوز» - المنبر الإعلامي لأقصى اليمين في الغرب والعالم -، يضاف إليهم أحد أبرز أصدقاء الرئيس ترمب، ستيفن شوارتزمان رئيس مجلس إدارة شركة «بلاكستون» الاستثمارية العملاقة، التي بلغت إيراداتها في السنة الماضية 13.23 مليار (بليون) دولار... وأرباحها الصافية 2.44 مليار دولار.

ولكن رغم فائضِ الثراء الهائلِ الذي يفصل بين هؤلاء الأساطين وبين أثرياء ورجال أعمال آخرين، فإنَّ هؤلاء يطمحون إلى غلبة عالمية، بل إلى احتكار عالمي لكل وسائل السيطرة والتحكم. وهذا بالضبط ما تفضحه تصرّفات «أوليغارشيي» واشنطن، الداعمين للرئيس ترمب ومموّلي مطامحه السياسية، ومنها تحريض إيلون ماسك وجموحه السافر، و«إعلام» روبرت مردوخ، الذي أسهم على امتداد عقود - في بريطانيا وأميركا وأستراليا وغيرها - في زرع ثقافة الكراهية والحقد والتفرقة، بل والشحن العنصري!

كوكبة السياسة والنفوذ والمال والتكنولوجيات هذه، توّجت لقاءَها في وندسور بصفقاتٍ ضخمة ستشدّد قبضتها أكثر فأكثر، ليس فقط على ردّات فعل الناس وخياراتهم، بل أيضاً على طرق تفكيرهم، ومنظومات قيَمهم، والمعايير الاجتماعية التي تبني علاقاتهم بالآخرين... وبالدولة والمجتمع!

ومن ثم، فإنَّ التفاهمات والصفقات التي خلصت إليها اجتماعات «الحكّام المالكين» مع «أتباعهم» من أهل السياسة، أثمرت ضخّ استثمارات أميركية في الاقتصاد البريطاني بقيمة 150 مليار جنيه إسترليني (اليوم يساوي الجنيه 1.35 دولار)، منها 90 ملياراً من شركة «بلاكستون» وحدها!

بالتوازي، وإن بعيداً عن وندسور... واتفاقات الأمس المالية، كانت كل من العاصمتين الأميركية والبريطانية، واشنطن ولندن، تعيشان تردّدات حدثين في غاية الخطورة:

الأول، اغتيال الناشط الأميركي المتطرف تشارلي كيرك داخل إحدى جامعات ولاية يوتاه المحافظة ذات الغالبية الدينية المورمونية.

والثاني، التظاهرة الضخمة التي نظمها أقصى اليمين البريطاني في شوارع لندن ضد الهجرة والمهاجرين، ودفاعاً عن هوية بلاده المسيحية البيضاء.

التفاصيل الكاملة لاغتيال كيرك المثير للجدل، وبالذات دوافع قتله، لا تزال رهن التحقيق على الرغم من توقيف المتهم... واسمه تايلر روبنسون. بيد أن ما حصل وسّع الشرخ داخل المجتمع الأميركي بين تيار ترمب - الذي كان كيرك من أشد مناصريه - وبين خصومه الذين اعتبروا في إصرار ترمب على تكريمه واعتباره «بطلاً قومياً أميركياً»، ثم ملاحقة الإعلاميين غير المتعاطفين معه، مبالغةً مرفوضة. ورأوا أن موقف الرئيس يستبطن نيات سلبية إزاء كل المكوّنات الأميركية التي كان كيرك يناصبها العداء ويحرّض عليها علناً.

وحقاً، كثيرون من راصدي المشهد الأميركي الآن ينظرون بفزع إلى الانقسام الداخلي المخيف. ويتخوّفون، خصوصاً، من ذهاب ترمب بعيداً في استهداف كل منتقديه ومعارضي سياساته... في الإعلام والجامعات والعديد من مؤسسات الدولة.

«روبنسون» آخر كان في قلب الأحداث، ولكن في لندن هذه المرة.

تومي روبنسون البريطاني اسمه الأصلي ستيفن ياكسلي-لينون. وهو ناشط يميني متطرّف معادٍ للمسلمين والمهاجرين والسود، شارك في تأسيس عدد من الجماعات المتطرفة، وأدين بعدد من الاعتداءات ذات الطابع العنصري. ولكن، بعدما ظل روبنسون والتنظيمات التي نشط فيها - لفترة طويلة - على هامش الحياة السياسية، بات تياره قوةً حقيقية تستطيع تجييش أكثر من 150 ألف متظاهر ونشرهم في قلب لندن.

الخطورة في هذا الواقع الجديد... طبعاً أكبر من شخص وأخطر من تنظيم. فظاهرة اليمين المتطرف، منذ انتصار دونالد ترمب في أميركا، وانعزاليي «بريكست» البريطانيين المناوئين لأوروبا، لم تعد هامشية إطلاقاً!

إنها الآن، للأسف، تفرض نفسها في الانتخابات واستطلاعات الرأي في العديد من دول الغرب، وتبتزّ الحكومات، وأحياناً تفرض أجندتها... حتى على الأحزاب التي تنافسها.

وهكذا، غدا الإنسان وإنسانيته مهددين في وجودهما أمام زحف العنصرية والجشع والتكنولوجيا...

وهنا لا أقصد مآسي غزة، ولا أماكن أخرى تعاني وتتألم... بل أقصد كل مكان في العالم اختفت فيه المشاعر والقيم الإنسانية.

وفي اعتقادي، ما عادت في الغرب بيئات مهاجرة آمنة، أو يجوز لها أن تشعر بالأمان!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل أين تريد أن تكونَ في العام المقبل



GMT 22:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التسامح والمحبة و”سجدة الفاخوري”

GMT 22:27 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الامتحان الحقيقي في سوريا...

GMT 21:35 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 21:34 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 21:33 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 21:32 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

GMT 21:31 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 21:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسويات «إلا حتة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 22:14 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 لبنان اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها

GMT 12:12 2017 الثلاثاء ,04 إبريل / نيسان

جرائم زنى المحارم صداع في رأس المجتمع التونسي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon