سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً

سوريا... «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً

سوريا... «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً

 لبنان اليوم -

سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

ما إن انحسرت حرب «وحدة الساحات» عن أرض لبنان، حتى قرّر «حزب الله» نقلها عبر الحدود السورية، مع كل ما لهذه الخطوة من تداعيات محلية وإقليمية ودولية... وفي فترة حرجة للغاية.

الحزب يدرك، بلا شك، التبعات السياسية لهذه الخطوة جيداً، سواء داخل لبنان أو داخل سوريا.

في لبنان كان بعض أبنائه قد أقنعوا أنفسهم بأن الهزيمة «الانتصارية»، التي تعرّض لها «حزب الله» في حربه الإسنادية الأخيرة مع إسرائيل، يمكن أن تكون من نوع «رُبَّ ضارة نافعة»...

أي ربما تشكل مدخلاً لإعادة الحزب إلى مؤسسة السلطة اللبنانية، بل وعودته «وطنياً» إلى «لبنانيته»... التي ضحّى بها طويلاً في سبيل المشروع السياسي الإقليمي.

أما في سوريا، التي تمرّ راهناً عبر حقبة قد تكون مصيرية، فآخر ما يحتاجه الوضع الملتهب هناك صبّ المزيد من الزيت على النار تلبية لرغبات عباس عراقجي ومن هم خلف الوزير عراقجي.

للعلم، «حزب الله» كان قد التزم علناً بوساطة وسطاء - في مقدمهم حلفاؤه من أبناء بيئته الحاضنة - من أجل إنهاء مسلسل القتل والتدمير والتهجير الإسرائيلي الذي استهدف أساساً تلك البيئة الحاضنة في جنوب لبنان وشرقه والضاحية الجنوبية عاصمته. وبالتالي، فعودته اليوم بسلاحه ومسلحيه، مجدّداً، إلى الأراضي السورية ليواصل على السوريين فرض حكم كثيرة منهم تعارضه وانتفضت ضده، يثبت أمرين اثنين:

الأول، أنه لا يقيم وزناً في لبنان لعودة السلام والأمن وجهود بناء الدولة التي كان قد صادرها نهائياً منذ عام 2008.

والثاني، أن تدخّله العسكري المباشر المتجدد، انطلاقاً من بلدة القصير، لا يعزّز إطلاقاً الشرعية التمثيلية للحكم في دمشق... بقدر ما يثبت - للقاصي والداني - أن الحكم صمد منذ «انتفاضة 2011» نتيجة للدعم والاحتلالين الأجنبيين الفعليين.

في هذه الأثناء، بدأت الولايات المتحدة، التي تظل محركاً أساسياً للعديد من الخيوط في المنطقة، كما نعرف، العد التنازلي لتولي إدارة جديدة تحمل معها جملة من التغييرات الكبرى في مقاربة عدد من الملفات الإقليمية. وطبعاً، في صميم المقاربات الأميركية الخاضعة للمراجعة الدور الإيراني والدور الإسرائيلي. والواضح أن كلاً من الحكم السوري و«حزب الله» يتأثران جداً بلعبة التوازنات التي ستديرها «واشنطن دونالد ترمب» بين طموحات طهران وأولويات تل أبيب.

وبالتالي، لئن كانت التطورات الأخيرة المتلاحقة في المشهد السوري باغتت كثرة من المراقبين العرب، فإنها على الأرجح لم تباغت «مطابخ السياسات» في واشنطن، لا سيما بعد أشهر من الحرب الإسرائيلية على «حزب الله» خصوصاً، وعلى لبنان عموماً.

ثمة تفاصيل، يقال إنها باتت قيد الإعداد، لما يمكن أن يكون عليه «حزب الله» في ظل حجمه الجديد المفروض أميركياً (وإسرائيلياً)... واستطراداً، الثقل المقبول لطهران على مستوى الشرق الأوسط ككل.

وهكذا، فإن الانهيارات العسكرية السريعة التي أشرعت أبواب حلب، ثم حماة، للمعارضة السورية، أكّدت بصورة قاطعة أن العقيدة القتالية للجيش - ناهيك من مبرّرات القتال - ما عادت موجودة، على الرغم من الوجود العسكري الروسي. وهذا، ما ثبت لاحقاً من الفشل باحتواء الأوضاع في كل من درعا والسويداء والقنيطرة ودير الزور.

أما على الصعيد السياسي، فكان لافتاً صدور كلام من جهات غير محسوبة على «معسكر الخصوم»... يلوم الحكم صراحةً على تفويت الفرصة تلو الفرصة للانخراط في تسويات سياسية.

ولقد كان بديهياً، منذ «الخطوط الحمراء» المنسية، التي رسمها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وسلّمت واشنطن بعدها الروس والإيرانيين زمام المبادرة في سوريا، أن الحكم اعتبر نفسه منتصراً... وبناءً عليه رفض أي تفاهمات أو تسويات سياسية.

وأكثر من هذا، ارتفعت أسهم التشدد في دمشق بالتلازم مع تسجيل «تراجع» عسكري تركي أمام الروس، و«تنازلات» سياسية تركية للإيرانيين تبلورت في «مسار آستانة»، الذي اعتبره كثيرون خذلاناً للمعارضة السورية.

هذا الأمر تجاوزته الأحداث الآن على ما يبدو. وارتسمت حقائق، وظهرت مخاوف، واستنهضت هواجس على امتداد المشهد السوري.

«التقسيم الواقعي» لسوريا يشكّل الآن حالة متفجّرة ما عاد يجوز تجاهلها أو الاستخفاف بمخاطرها إذا خرجت عن السيطرة. واستمرار تجاهل «الانتقال السياسي»، الذي كان ولا يزال محور الجهود السياسية والدولية والطموح الأعظم عند السوريين، خطيئة تُنذر بكارثة قد لا يظل بالإمكان احتواء آثارها وتداعياتها.

بناءً عليه، فإن اجتماع الأمس في الدوحة بين ممثلي روسيا وإيران وتركيا حول سوريا أشار إلى الجدّية التي اكتسبها الوضع السوري خلال الأيام القليلة الماضية، وهذا، مع تذكر حقيقة أن لاعبَين مهمَّين ما كانا مشاركين... هما الولايات المتحدة وإسرائيل.

وطبعاً، لا حاجة هنا للتذكير بأن للأولى حضورها العسكري على الأرض السورية وكذلك في العراق ولبنان «جارتي» سوريا. وللثانية «حدود مفتوحة» أخليَت خلال الساعات الماضية من أي وجود لعناصر الجيش السوري.

في ضوء كل هذا، لا مجال للفراغ.

وفي المقابل، الخوف كل الخوف من الفوضى الناجمة عن مغامرات تدخّل خارجي جديدة.

إن الحل الحقيقي والنهائي هو «انتقال سياسي» سريع وجادّ، يستحقه السوريون وتستحقه سوريا العريقة الرائعة... «حقل غلال» المشرق، ومهد حواضره، وبستان ثماره، وحديقة ياسمينه، ومنبت أحراره، ومكتبة فكره، وممرّ حضارات البشرية ونقطة تقاطعاتها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً سوريا «الانتقال السياسي» ما عاد خياراً



GMT 18:25 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نهاية حزينة لشارع الحمرا…

GMT 18:24 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

القلعة الجوفاء: بعدما هدأ غبار الهجوم على إيران

GMT 18:23 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أيضاً

GMT 18:22 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الحدود ومواعيد نتنياهو

GMT 18:21 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

هل «الموديل» الغربي مُقدّس؟

GMT 18:19 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 18:16 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 18:15 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

لبنان وغزة... إدارة النزاع بدل إنهائه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 16:44 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن تحييد "عنصرين" في "حزب الله" اللبناني
 لبنان اليوم - الجيش الإسرائيلي يعلن تحييد "عنصرين" في "حزب الله" اللبناني

GMT 17:29 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

إهمال صحة اللثة قد يُزيد خطر أمراض القلب والسكتات الدماغية
 لبنان اليوم - إهمال صحة اللثة قد يُزيد خطر أمراض القلب والسكتات الدماغية
 لبنان اليوم - تسلا تواجه انتقادات بعد وفيات ناجمة عن أعطال أبواب السيارات

GMT 17:50 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية
 لبنان اليوم - نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية

GMT 15:01 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

سندس القطان بإطلالات مقلمة ناعمة ورائعة على انستقرام

GMT 17:43 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

لاعب كونغولي يخطف الأنظار في مونديال اليد

GMT 01:35 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

وفاة 4 لاعبين ورئيس ناد بطريقة مأساوية في البرازيل

GMT 17:45 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تنشر مشاهد لجمال لبنان وتعلق"خلينا ما بقى نسكت"

GMT 02:55 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

7 حيل تجعل عطركِ يدوم طويلًا مهما كان نوعه

GMT 01:56 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

النساء يحقّقن اختراقات في انتخابات الكونغرس الأميركي

GMT 15:26 2020 الثلاثاء ,01 أيلول / سبتمبر

مقتل 3 أطفال وإصابة 4 بانفجار قارورة غاز في الهرمل

GMT 14:02 2019 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

قصة جديدة لفئة اليافعين بعنوان "لغز في المدينة"

GMT 18:16 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

أناقة زين مالك بعد أنفصاله عن جيجي حديد

GMT 14:09 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

رائدة ناسا "كيت روبينز" تحصد الفجل المزروع في الفضاء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon