عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

 لبنان اليوم -

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

بقلم: رضوان السيد

تحتدم النقاشات بشأن النظام الجديد في سورية وعلل وأسباب نفور عدد من “الأقليّات” منه. بيد أنّ الأكثر غرابةً هو الجفاء الظاهر الذي يبلغ حدَّ الخصومة من النظام اللبنانيّ الحاليّ (الدولة العميقة) تجاه سورية الجديدة. يقرأ هذا المقال سلوك الأقليّات ومسالكها، ويحاول تعليل التصرّف الغريب للنظام اللبنانيّ الذي كان ينبغي أن يكون شديد السرور للخلاص من النظام السابق الذي عاث فساداً وإجراماً في سورية ولبنان.  

قبل أيّام كتبتُ في صحيفة “الشرق الأوسط” كلمةً عن شكوك الأقليّات ومخاوفها من الحكم السوريّ الجديد. ذكرتُ الشيعة والمسيحيّين والدروز والعلويّين، وقلت إنّ هواجس العلويّين والشيعة مبرَّرة. فالعلويّون حكموا نصف قرنٍ وأكثر بدليل أنّ القيادات في الجيش والأجهزة حتّى الموظّفين المدنيّين الكبار في شتّى الوزارات كانوا جميعاً منهم. في وزارة الخارجيّة كان هناك سبعمئة موظّف معظمهم من العلويّين، مع بعض “الخبراء” المسيحيّين والسنّة. وكذلك في الإعلام أو الداخليّة، وهذه هي المرافق التي عرفتُ أُناساً أعطوني معلومات عنها. وعندما نقول إنّ معظم الموظّفين كانوا كذلك، فهذا ليس معناه أنّهم يعملون، بل يقبضون رواتب من هناك!
الأكثر غرابةً هو الجفاء الظاهر الذي يبلغ حدَّ الخصومة من النظام اللبنانيّ الحاليّ (الدولة العميقة) تجاه سورية الجديدة

محاولات مستمرّة للتّخريب

أمّا الشيعة فقد حالفهم حافظ الأسد منذ دخل جيشه إلى لبنان عام 1976-1977. وسمّاهم عبدالحليم خدّام الاحتياط الاستراتيجيّ لسورية. وكانت عندهم حركة أمل ثمّ تشاركوا مع إيران في “الحزب”. وبعد خروج الجيش السوريّ من لبنان عام 2005 ظلَّ “الحزب” المسلَّح والحرس الثوريّ على علاقة وثيقة ببشّار الأسد وأجهزته. ثمّ كانت ملحمة تمرّد الشعب السوريّ على بشّار عام 2011، فتدخّل الحرس الثوريّ واستجلب الميليشيات الشيعيّة من العراق وأفغانستان وباكستان، والأهمّ تدخّل “الحزب” بعشرات آلاف المقاتلين، وكلّ ذلك ليس للدفاع عن النظام وحسب، بل وللإقامة الدائمة والاستعمار في ثلث مساحة سورية، فيما الأكراد وعسكرهم من حزب العمّال الكردستانيّ التركيّ حكموا في الثلث الآخر. وقد قتلوا من الشعب السوريّ أكثر من خمسين ألفاً، وهجّروا حوالى مليون، ثمّ سكنوا في مساكنهم.

أمّا المسيحيّون السوريّون فقد ظنّ بعضهم أنّهم كانوا شركاء أو أقلّ درجة، لكنّهم كانوا آمنين. وهم ليسوا كذلك الآن، على الرغم من الطمأنة الدائمة لهم من جانب الرئيس أحمد الشرع.

من جهتهم كان الدروز على علاقة سيّئة بالنظام الأسديّ منذ مدّة، لكنّ بقايا المؤسّسة الرسميّة بقيت حينئذٍ موجودة في السويداء. أمّا لماذا لم يدخل النظام السابق إلى السويداء بالقوّة، فلأن إسرائيل هدَّدته، تماماً كما لم يهجم على الأكراد خوفاً من الأميركيّين الموجودين في سوريا بحجّة “داعش”.

لا يمكن وصف الأهوال التي نزلت بالشعب السوريّ نتيجة هجوم إيران وأذرعها على سورية. وبسبب إدراكهم لفظاعة ما ارتكبوه فرّوا جميعاً خلال ثلاثة أيّام، أي بين 5 و8 كانون الأوّل 2024، عشيّة دخول قوّات “ردع العدوان” إلى دمشق. ما يزالون يحاولون التدخّل والإزعاج عبر مخابئ السلاح وهياكل “الكبتاغون”. فكيف نريدهم أن يقبلوا النظام السوريّ الجديد بهذه السرعة، وهو الذي أخرجهم من البلاد التي اعتقدوا أنّهم سيطروا عليها إلى الأبد، وكان قائد الحرس الثوريّ قد بشّرنا بالسيطرة على سورية إلى جانب لبنان والعراق منذ عام 2008؟!
ليس من الملائم لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة جوزف عون أن يقول إنّه لن يزور سورية إلّا بعد ترسيم الحدود، لأنّ الحدود من الجهتين كانت منتهَكة

ليس من الملائم لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة جوزف عون أن يقول إنّه لن يزور سورية إلّا بعد ترسيم الحدود، لأنّ الحدود من الجهتين كانت منتهَكة. لقد دخل إلى سورية من لبنان عشرات الآلاف من المسلّحين المحسوبين على إيران، وافتعلوا عشرات المذابح ضدّ الشعب السوريّ في أرضه ، لكنّ الجيش اللبنانيّ اكتفى بالمشاهدة والتجاهل، علاوة على التهريب إلى سورية، والإعانة في بناء شبكات المخدّرات، وجنوح الأجهزة الرسميّة نحو تجاوز كلّ الأعراف والقوانين تجاه السوريّين، وهذا بعكس الودّ الذي كان سائداً مع أجهزة المسلّحين.

عالقون في الماضي

لا شكّ أنّ نصف المسجونين بتهمة الإرهاب من اللبنانيّين والسوريّين هم كذلك لأنّهم كانوا معارضين لنظام الأسد أو قاتلوا ضدّه. فالمطلوب ضبط الحدود السائبة حتّى الآن، وليطلَقْ سراح المعتقلين السوريّين واللبنانيّين الذين كانوا معارضين لنظام الأسد الإرهابيّ. يتودّد السوريّون الجدد ويزورون ويكرّرون الزيارة، ومن واجب الدولة اللبنانيّة العميقة والعائمة الاستجابة لكي لا يحدث ما يحاول المبعوث الأميركيّ توم بارّاك قوله.

يقول توم بارّاك العاقل والزحلاويّ الأصل إنّ سورية دولة طبيعيّة، وقد اقتطع منها اتّفاق سايكس-بيكو أجزاء. أمّا لبنان فهو كيانٌ مركّب من أجزاء ما كانت معاً. وقد صار وطناً عزيزاً على كلِّ اللبنانيّين، وعلى المنظومة السياسيّة والإداريّة ومنظومات رجال الأعمال بذل الجهد الكبير لبناء نظامٍ سياسيٍّ ناجح يفخر به كلّ اللبنانيّين، وإلّا يكُن من حقّ سورية العودة للمطالبة بأجزائها المنفصلة! يقول المسؤولون اللبنانيّون ويكرّرون: لا تأبهوا لبارّاك وما يقوله، لا شأن له بنا. طيّب لماذا لا يقولون الشيء نفسه للأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم الذي يهدّدهم كلّ يوم بالويل والثبور وعظائم الأمور؟!

إنّ الدولة العميقة بمكوّناتها الشيعيّة والمسيحيّة القديمة والجديدة على وجه الخصوص تكره إقامة علاقاتٍ طبيعيّة مع سورية الجديدة. فقد اعتادت وتآلفت مع حكومة الأقليّات في سورية الأسديّة، وحرصت على تقليدها في الصغيرة والكبيرة. تعيش بعقليّة الماضي ولا تعرف غير علاقات الغلبة والتغلّب شأنها شأن السلطنات القديمة والمافيات الحديثة.

يسألني أصدقاء مسيحيّون وغير مسيحيّين لماذا لا أفهم مخاوف الأقليّات في سورية ولبنان؟ وأنا أُجيب ومستعدّ للنقاش: لأنّ الأقليّات في لبنان كانت وما تزال تعيش في نظام غلبةٍ وتغلّب وتحاول تدعيمه، ولذلك أرهبها غياب قرينها الأسديّ. ونحن نساعد أنفسنا ونساعد سورية الجديدة إذا عملنا على إقامة نظام مواطنة لا محاصصة، وإلّا فلننتظر تنبّؤات بارّاك، أو بهوَرات واستضعافات إسرائيل: ألم تذهب أميركا وإسرائيل في السابق نحو توكيل لبنان التغلّبيّ والتقلّبيّ إلى النظام الأسديّ؟ فليخرج لبنانيّو الأسد والدولة العميقة من عقليّة وممارسات التغلّب بالداخل، أو يصيبهم ويصيب من يتعاون معهم ما أصاب بشّاراً! لكنّ بشّاراً وجد موسكو، وليس طهران، ملجأً، وأمّا هم فإلى أين سيلجؤون؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان عقليّة الغلبة دمّرت لبنان



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon