الأخلاقي والخيري والسياسي

الأخلاقي والخيري والسياسي

الأخلاقي والخيري والسياسي

 لبنان اليوم -

الأخلاقي والخيري والسياسي

بقلم: رضوان السيد

نبَّه المفكر الصديق السيد ولد أباه في جريدة «الاتحاد» الزاهرة («وجهات نظر»، في 2 يونيو 2025) إلى وفاة الفيلسوف الأميركي ألسدير ماكنتاير، صاحب الكتاب الشهير «ما بعد الفضيلة». وقد بدأ ماكنتاير كتاباته بين الفلسفة والأخلاق في ثمانينيات القرن العشرين بالنقاش الناقد لأطروحة فيلسوف القانون الأميركي جون راولز في كتابه «نظرية العدالة» (1971).

وتحت ضغوط حرب فيتنام والتفوق الأخلاقي لليسار في أفكاره حول العدل الاجتماعي والسلام، قدّم راولز حلولاً للأنظمة الليبرالية من داخلها، والتي اعتبرها إنقاذاً وتطويراً في الوقت نفسه. لقد بقيت الحقوق الفردية مسيطرةً في النظام السياسي، إنما ينبغي التعويض بشكلٍ ما على أولئك الأدنى حظاً في النظام السياسي والمجتمعي. لقد أنكر راولز أنه بقي أسيراً لنفعوية جون ستيورت ميل، وفي السياق نفسه ظلَّ بعيداً عن الجماعاتية الماركسية.

ألسدير ماكنتاير لم يكن ماركسياً، وقد اعتنق الكاثوليكية كما فهم لاهوتَها توما الأكويني، لكن جماعاتيته لم تبدأ من عند الأكويني بل من عند أرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير في أطروحته حول السياسة والأخلاق إلى نيقوماخوس بشأن «العيش معاً» أو العيش المشترك. فالفرد له حقوقه الطبيعية الأساسية، لكنه لا يستطيع تعقلَها أو ممارستَها إلاّ من خلال المجتمع في تشاركيته وقيمه الجمعية. فحتى المبادرات التي تُعتبر فردية لا يمكن ممارستها إلاّ في الجماعة ومعها.

لا يستقل الفرد بإنتاج أساسياته في المأكل والملبس والمسكن، وهو لا يحس حتى بفرديته إلاّ من خلال الاعتماد المتبادل. وما هو ظاهرة طبيعية في المجتمعات صار له معنىً أخلاقي لدى توما الأكويني (المحبة والتضحية، ومن الجماعة الصغيرة إلى مجتمع المدينة أو دولتها). منذ ديكارت والتنوير تطورت تلك العملقة للفرد والفردانية. وتمخضت عنها في الفكر والأنظمة السياسية راديكاليتان: راديكالية الفردانية في الأنظمة الليبرالية، وراديكالية الشمولية في الأنظمة الشيوعية. راولز، واستناداً إلى كانط، قال بالدستورية التي اهتمت بالتقنين لحقوق الأفراد، ولأن تطوراتها جرت خارج الدينين الكاثوليكي والبروتستانتي فقد تجنبت الأخلاقي والقيمي والخيري باعتبار ذلك كلّه خارجاً عن حقوق الأفراد التي يضمنها القانون، ولا علاقة لذلك بالأخلاق والفضائل الإنسانية التي اعتبرتها مستندةً للدين! «أماراتيا صن»، المفكر الاقتصادي الأميركي من أصلٍ هندي، والحاصل على جائزة نوبل، ذكر في كتابه «الهوية والعنف» (2006) أن العدالة في المجتمع تتناول الاقتصادَ ضرورةً، ليبقى المجتمع متوازناً ومستقراً.

أما ألسدير ماكنتاير فرأى أنه لا حاجة إلى هذا الخوف من فكرة الخير العام، وهو ظاهرةٌ اجتماعيةٌ وإنسانية، ولها ظلال دينية، وهي ظاهرة في الفلسفة الإنسانية ما بين أرسطو (القانون الطبيعي للعيش معاً) وتوما الأكويني الذي اعتبر الأصولَ الدينية للخير الإنساني والعام. شكّلت فلسفة ألسدير ماكنتاير (أصول الفضيلة) تياراً بين الجماعاتيين. أما اليساريون من بينهم فأرادوا تجنب نفعوية ستيورت ميل. بينما أراد ماكنتاير، غير اليساري، في كتبه، وبخاصةٍ كتابه «ما بعد الفضيلة»، ثم دراساته عن الأخلاق في أزمنة الحداثة، أن يُماهي بين الأخلاق والفضيلة والخير العام، باعتبار ذلك كلّه خلاصةً للفلسفة الإنسانية المتقدمة في المجتمع المدني والعالمي.

ماكنتاير عميق الإيمان بعصمة الجماعة إذا صحّ التعبير، ولذا لا يرى مانعاً في أن تكون دولة الجماعة هي دولة العدالة والخير معاً، سواء أكان ذلك بالمعنى الإنساني أو بالمعنى التقوي الديني. فالخير (رأس الفضائل) تمارسه المجتمعات بالعطاء بشتى أشكاله وصيغه. وكذلك ينبغي أن يكون شأن الدول التي تطبق قوانين المواطنة والعدالة، أما دوافع سياساتها فهي الخير العام الذي يهب القانون طابعه الإنساني.

*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأخلاقي والخيري والسياسي الأخلاقي والخيري والسياسي



GMT 22:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التسامح والمحبة و”سجدة الفاخوري”

GMT 22:27 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الامتحان الحقيقي في سوريا...

GMT 21:35 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 21:34 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 21:33 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 21:32 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

GMT 21:31 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 21:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسويات «إلا حتة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 22:14 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 لبنان اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها

GMT 12:12 2017 الثلاثاء ,04 إبريل / نيسان

جرائم زنى المحارم صداع في رأس المجتمع التونسي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon