مسألة الشرعية في المجتمعات والدول

مسألة الشرعية في المجتمعات والدول

مسألة الشرعية في المجتمعات والدول

 لبنان اليوم -

مسألة الشرعية في المجتمعات والدول

بقلم: رضوان السيد

تعود قضية الشرعية للنقاش وسط الضغوط القوية والمتضاربة من عدة جهات ووقائع. والواقع أن هذه القضية تُثار مجدداً منذ عقدين، وتتصدى لها الجهات الدينية والمجتمعية والفكرية بعدة عناوين. والذي أراه أنه لا داعي أبداً للتشكيك لجهة المصلحة ولجهة المعقولية. ولنتأمل الموضوع بالتفصيل. الدولة الحديثة قائمةٌ في ديارنا منذ قرنٍ ونيِّف. وقد بدت ضرورةً وجودية لعدة أسباب، أولها أن الحقبة الحديثة والمعاصرة تفرض وجودَ جهةٍ في كل كيانٍ قديم أو جديد لإدارة الشأن العام وحماية المجتمع وحفظ الوجود والهوية والمصالح.

وقد تبينت تلك الضرورة من الظروف المستجدة قبل حوالى القرنين، وهي الظروف أو الحالة التي يسميها خير الدين التونسي (توفي 1890) «سيل التقدم الأوروباوي الذي يوشك أن يجرف الجميع إن لم نسلك مسلك التلاؤم أو يتهدد المجتمع والدين». وطوال هذه المدة، حيث جرت الاستجابة بدرجاتٍ متفاوتةٍ من حيث النجاح والكفاءة، ظلّ همُّ الشرعية قوياً في أفكار وكتابات المثقفين العرب والمسلمين، إمّا بسبب المتغيرات الدولية أو بسبب راديكاليات الحداثيين والإسلامويين المتناقضة.

وثاني تلك الأسباب طروء ظروف التأزم الناجمة عن هجمات الجماعات الإرهابية على السلطات الوطنية وعلى العالم تحت عنوان الأصوليات أو تحت عنوان الإسلام السياسي. وبسبب تصاعد الهجمات على الدولة الوطنية من عدة جهات نهضت الدول لحفظ أمنها وأمن المجتمع، كما أقدمت الجهات الدينية على الانتصار للدولة الوطنية ومن ثلاث طرق: أولاها ضرورة حماية المجتمعات من الفوضى الداخلية ومن الدعوات المتطرفة بحجة التغيير، وثانيتها العودة إلى الأصل؛ أي التأصيل لشرعية الدولة الوطنية، بالعودة إلى عهد المدينة الذي بمقتضاه أقام النبي صلى الله عليه وسلّم كياناً وطنياً تعيش فيه معاً جماعات دينية وإثنية متساوية في الحقوق والواجبات. أما الطريق الثالثة فهي المسؤوليات المشتركة على المستوى العالمي وفي النظام الدولي، استناداً إلى حديث السفينة الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومؤداه أن راكبي السفينة بطبقتيها مسؤولون جميعاً عن أمنها وسلامتها، وأن الضرر إن أصابها ينال الجميع وليس الذين قاموا بالتخريب فقط.

نحن محتاجون، وسط الأخطار التي تتعرض لها بعض دولنا، إلى بذل جهودٍ جديدةٍ لصالح سلامة الدول وأمن المجتمعات. وبخاصةٍ أنّ تلك الجهات التي تسعى لتخريب المجتمعات والدول وتقسيمها في هذه المرحلة، بعضها يتحدث باسم الدين، وبعضٌ آخر يزعم أنه حليف لمجتمعاتنا ودولنا!

إنّ الأخطار الآن تتهدد الدول، لكنها تتهدد أكثر بكثير المجتمعات، ففي الداخل تسعى مجموعات للتحزب والتحزيب، وتحريض جماعة على أخرى. وهناك استجابةٌ أحياناً واستثارة لنزعات قبلية وعرقية وإثنية.

ونحن نسمّي ذلك أصولياتٍ أو إسلاماً سياسياً، لكنّ بعض النزعات ليس من هذا ولا ذاك. أما الأمر الآخر الذي يتهدد سلامة المجتمعات وبالتالي الدول، فهو الضغوط الآتية من جهات إقليمية ودولية لنُصرة فئة على أخرى وتسليح فئة لمقاتلة أُخرى. وبعض المسلحين لديهم دوافع إثنية أو مذهبية، هدفها تحطيم المجتمعات أو تقسيمها باسم المظالم المتوارثة أو تقسيم البلاد أو إنشاء نظام جديد أفضل. إنّ كل هذه النزعات أو الصدمات تمثل سعياً حثيثاً من جهاتٍ داخلية وخارجية لنشر الفوضى والانقسام بدواخل المجتمعات والدول.

مسألة الشرعية مسألة شديدة الحساسية، وتَلقى إثارتُها من جديد مقاومةً من أكثريات داخل الدول التي تشعر بتهدد مصالحها وإلغاء أو تحريف تاريخها. ولذا، ومع تصاعد نزعات التقسيم أو التشكيك يكون علينا، رغم الاطمئنان إلى تمسك الأكثريات بوحدة المجتمع والدولة، أن نعمل دائماً على شرعية الدول وقوتها وحفاظها على أمن المجتمعات ووحدتها. وقِدْماً قال عمر بن الخطاب: لا إسلام إلاّ بجماعة، ولا جماعة إلاّ بطاعة. فالمجتمع هو قوام الدولة، وهو يقيمها لحفظ وحدته ومصالحه من ضمن ركنَي: الكفاية والشوكة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسألة الشرعية في المجتمعات والدول مسألة الشرعية في المجتمعات والدول



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon