القارة الأوروبية والحرب الهجينة الروسية

القارة الأوروبية والحرب الهجينة الروسية

القارة الأوروبية والحرب الهجينة الروسية

 لبنان اليوم -

القارة الأوروبية والحرب الهجينة الروسية

بقلم : إميل أمين

نهار الثلاثاء الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، نشر وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو، ورقة بحثية تقع في نحو 120 صفحة، أدان فيها تقاعس الدول الأوروبية ودول حلف شمال الأطلسي على تقصيرهم في مواجهة الحرب الهجينة التي تشنها روسيا على عموم القارة الأوروبية.

عنوان الورقة «مواجهة الحرب الهجينة: استراتيجية فعالة»، وضّح فيها أن موسكو لا تنفك مستمرة في مهاجمة البنية التحتية الحيوية لدول أوروبا، عطفاً على مراكز صنع القرار والخدمات الأساسية، مع التركيز على النسيج الخاص بكل بلد على حدة، وأنه حان الوقت للتحرك... ماذا تعني لفظة الحرب الهجينة؟

في تقدير المنظّر العسكري الألماني الأشهر كارل فون كلاوزفيتز، أن «لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، وظروفه المحددة ومفاهيمه الخاصة»، وهذا يعني أن «لكل حقبة زمنية في تاريخ البشرية أدواتها في الحروب».

أما الاستراتيجي الألماني أيضاً، فرانك هوفمان، فقد عرّف في عام 2007 الحرب الهجينة بأنها «الاستخدام المتزامن الناشئ عن أنواع متعددة من الحرب من جانب الخصوم المرئيين والمنظورين».

هل تمارس روسيا بالفعل هذا النوع من الحروب في مواجهة أوروبا، أم أن الأمر لا يتجاوز نوعاً من أنواع «الروسفوبيا»، أو المخاوف من روسيا المعاصرة؟

حسب وزير الدفاع الإيطالي كروسيتو، تمارس روسيا قرصنة استخباراتية عسكرية سيئة السمعة، تستهدف بدايةً شركات الدفاع والنقل والتكنولوجيا التي تقدم الدعم لأوكرانيا، سواء كان دعماً عسكرياً أو تقنياً أو علمياً. تستهدف هجمات روسيا حرقاً متعمداً لمستودعات تحتوي على معدات متجهة إلى أوكرانيا في بولندا، بجانب قيام حلف روسيا - بيلاروسيا بتسليح المهاجرين لزعزعة استقرار بولندا.

ومن جانب آخر، تشكو غالبية دول أوروبا من قيام طائرات من دون طيار من أصل غير معروف بالتحليق في جميع أنحاء القارة الأوروبية، وضمن الاتهامات انفجار خط سكة حديد في بولندا، ما عُدَّ عملاً تخريبياً من أوكرانيين.

أما على جانب التدخلات السياسية غير المباشرة، فالاتهامات حاضرة لموسكو بأنها كانت وراء تقويض الانتخابات الرئاسية في رومانيا مؤخراً.

من جهته، رصد مركز «غلوبسيك» ومقره براغ عاصمة جمهورية التشيك، أكثر من مائة وعشرة أعمال تخريبية ومحاولات هجوم في أوروبا بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) الماضيين، معظمها في بولندا وفرنسا من قِبل أشخاص على صلة بروسيا.

هل يستنزف الدب الروسي الأوروبيين؛ في محاولة منه لإبطاء وربما قطع دعمهم لأوكرانيا؟

من الواضح أن غالبية الدول الأوروبية قد بات لديها هاجس من النفوذ الروسي المتعاظم، والتدخلات التي تقف موسكو وراءها، لا سيما عبر آلية الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة؛ الأمر الذي يؤثر بشكل غير مباشر على توجهات الشعوب الأوروبية، وقدرتها على الصمود معنوياً وأدبياً، والخوف كل الخوف من أن تنكسر أو تنهزم نفسياً في مواجهة السرديات الروسية.

يحتاج حديث كروسيتو إلى قراءة نقدية موضوعية؛ ذلك أن الترويج لفكرة أن بوتين قد يخطط لغزو بري لدول أوروبية، تبدو متجاوزة للعقلانية، فعلى الرغم من أنها تمتلك أحد أكبر الجيوش في العالم، فإنها تعاني استنزافاً كبيراً نتيجة حرب أوكرانيا، سواء في المعدات أو الذخائر أو الطواقم المدربة، كما أن خطوط الإمداد الروسية تصبح ضعيفة كلما ابتعد الجيش عن حدود روسيا.

وفي كل الأحوال، فإن أي حرب برية روسية ناحية أوروبا لا بد لها أن تعبر بولندا ودول البلطيق بداية، وهي دول مدعومة بحلف «ناتو» المتمركزة هناك.

وفي الوقت عينه، فإن حرباً بهذا الحجم ستؤدي إلى عقوبات وانهيار اقتصادي روسي واسع، بينما تملك أوروبا ناتجاً اقتصادياً أكثر بكثير من روسيا؛ ما يجعل قدرتها على تمويل الحرب أعلى.

أيكون في الأمر تهويل نفسي أوروبي، ودفع لأكلاف اندفاعة غير عقلانية في طريق تأجيج الحرب الروسية - الأوكرانية؟

من الواضح أن كروسيتو يقترح مواجهة الحرب الهجينة عبر إنشاء مركز أوروبي سيبراني، وطواقم مدربة على أعمال الذكاء الاصطناعي وحماية سلاسل التوريد وخبراء في التضليل.

غير أنه على الجانب الآخر، تعلو النصائح بحتمية بلورة خطط للردع وليس للدفاع، تبدأ من عند إقناع واشنطن بسحب كامل قواتها من أوروبا، لإجبار الأوروبيين على تحمل مسؤوليتهم بأنفسهم، وساعتها لن يضحى أمامهم سوى زيادة الإنفاق العسكري، وتحسين قدرة جيوشهم، ونشر دفاعات حقيقية في منطقة البلطيق، بمعنى التهيئة للحرب التقليدية.

يتساءل المرء: هل تكون خطة ترمب الجديدة لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا وإنقاذ أوروبا مما وصفه البروفسور ستيف ميرشايمر بـ«المستقبل الكئيب» هي الحل؟

كسب معركة بالسلم أفضل من ربح مائة معركة هجينة أو تقليدية بالحرب.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القارة الأوروبية والحرب الهجينة الروسية القارة الأوروبية والحرب الهجينة الروسية



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon