يوم التحرير شرعية أميركية جديدة

يوم التحرير... شرعية أميركية جديدة

يوم التحرير... شرعية أميركية جديدة

 لبنان اليوم -

يوم التحرير شرعية أميركية جديدة

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

انطلق السهم، وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تعريفاته الجمركية على جميع الواردات الأميركية، وإن بنسب متفاوتة تبدأ من عشرة في المائة على بعض الدول، وتصل إلى أربعين في المائة وأزيد على البعض الآخر.

أطلق ترمب على ذلك النهار «يوم التحرير»، مبرراً بأن بلاده ظلت لمدة أربعة عقود تعاني من «نهب» الدول الأخرى، وقد حان الوقت لتصحيح الأوضاع المغلوطة.

لم يكن القرار مفاجئاً، فقد أعلن ترمب عن نياته منذ وقت طويل، وضمنها خطاب التنصيب، حين أشار إلى أنه حان الوقت لتخفيف الضغط عن المواطنين الأميركيين وإثرائهم، عوضاً عن الضغط عليهم بالضرائب وإثراء الدول الأجنبية.

هل اختار الرئيس الأميركي هذا الاسم ليؤسس لشرعية أميركية عالمية جديدة؛ فهو اسم له رنين في الأذهان، كمكافئ موضوعي لـ«يوم الاستقلال».

الأسئلة عديدة ومتسارعة، وفي مقدمتها: هل يؤسس الرئيس ترمب بقرارات التعريفات الجمركية لعالم جديد تختلف فيه القواعد والمعايير عما كان سائداً من قبل؟ هل هي بدايات النهايات لتيار العولمة، وعودة إلى أزمنة الحمائية؟

يبدو واضحاً أن التعريفات الجمركية الأميركية الأخيرة ليست سوى وجه من ضمن أوجه القومية الأميركية العائدة بقوة على سطح الأحداث السياسية، مكتسية شعار MAGA أي «أميركا عظيمة» و«أميركا قبل الكل»، وربما قريباً يشهد العالم صيحة ذات سمعة غير طيبة تاريخية مثل «أميركا فوق الجميع»، التي تبدو وكأنها رجوع لصدى شعار ملأ الدنيا ضجيجاً في ثلاثينات القرن المنصرم «ألمانيا فوق الجميع».

يحاجج أنصار الرئيس ترمب بأن مثل هذه التعريفات ستوفر قرابة ستة تريليونات دولار للخزانة الأميركية، وهو رقم هائل يعادل خُمس الديون الأميركية للعالم التي تبلغ نحو ثلاثين تريليون دولار، غير أن تحديد هذا الرقم بهذه السهولة أمر ربما يتجاوز الصواب.

للرئيس ترمب خبرة سابقة في ولايته الأولى مع التعريفات الجمركية، خبرة غير إيجابية، ومع ذلك ها هو يعيد الكرة، وبصورة أشد قسوة وإيلاماً للعالم برمته.

بعد وصوله إلى البيت الأبيض في 2017 رفع ترمب معدلات الجمارك على عدد من دول الجوار، لا سيما في أميركا اللاتينية، وبنوع خاص على الواردات السلعية الغذائية، فماذا كانت النتيجة؟

لقد خصص 92 في المائة من عائدات الرسوم الجمركية وقتها لتعويض المزارعين الأميركيين عن تكلفة إجراءات الدول الأخرى الانتقامية، مما لم يحقق سوى فائض قليل لوزارة الخزانة الأميركية.

يخطر لنا أن نتساءل مَن أول من سيتكبد الثمن جراء تلك التعريفات غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً؟

المؤكد أن المواطن الأميركي هو أول من سيدفع الأكلاف العالية والغالية لارتفاع السلع والمنتجات المستوردة، مما يخلق عنده حالة من عدم اليقين الاستهلاكي، الأمر الكفيل بإصابة الأسواق، ومن ثم الاقتصاد الأميركي، بحالة من الركود، وهو ما اعترف به ترمب نفسه عبر موقعه للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»: «نعم سيكون هناك بعض الألم... نعم وربما».

الذين قدروا العوائد بنحو 6 تريليونات دولار، ربما لم يأخذوا في حسبانهم ثلاثة أنواع من التكاليف التي ستتحملها الموازنة الأميركية في قادم الأيام.

البداية من عند التكاليف التنفيذية؛ فعلى سبيل المثال تبلغ قيمة واردات أميركا من اللحوم والخضراوات والفاكهة من كندا والمكسيك، قرابة 75 مليار دولار، هذه ستضاف إليها بعد الجمارك هوامش ربحية عالية لدى تجار التجزئة، سيتحملها المستهلك الأميركي، مما يحد من قدرته الشرائية أول الأمر.

ثانياً، هناك ما يعرف بـ«التكلفة الانتقامية»؛ فعلى سبيل المثال أكثر من ثلاثين في المائة من الجمارك على الصين، ستقابلها إجراءات انتقامية صينية على وارداتها من الفحم والغاز والنفط، ناهيك عن أدوات الميكنة الزراعية، وشاحنات البيك آب الأميركية.

أما التكلفة التي تبدو أشد ضراوة في المستقبل القريب وليس المتوسط أو البعيد، فتتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه «تكلفة التقليد»؛ أي أنه كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية التي هي بحكم الواقع، مهندس العالم الاقتصادي العالمي، فإن العديد من دول العالم ستمضي في محاكاتها، ومحاولة استحداث أنظمة مالية وتجارية عالمية انتقائية، لا انتقامية فحسب، ما يعني أن عالم «بريتون وودز» قد حان أوان مغيبه.

ربما يكون من المبكر الحديث عن الارتدادات الاقتصادية لتعريفات ترمب الجمركية، لكن تكفي الإشارة للمستثمرين القلقين الذين باعوا الكثير من أسهمهم منذ شهر، مما أدى إلى خسارة قدرها خمسة تريليونات من قيمتها.

هل يمارس ترمب نظرية «المجنون» التي ابتدعها هنري كيسنجر في مفاوضاته مع الفيتناميين الشماليين في عهد نيكسون؟ وماذا عن الخسائر السياسية لهذه التعريفات؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم التحرير شرعية أميركية جديدة يوم التحرير شرعية أميركية جديدة



GMT 22:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التسامح والمحبة و”سجدة الفاخوري”

GMT 22:27 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الامتحان الحقيقي في سوريا...

GMT 21:35 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 21:34 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 21:33 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 21:32 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

GMT 21:31 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 21:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسويات «إلا حتة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 22:14 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 لبنان اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها

GMT 12:12 2017 الثلاثاء ,04 إبريل / نيسان

جرائم زنى المحارم صداع في رأس المجتمع التونسي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon