بيت لحم أفراح القلوب المكسورة

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

 لبنان اليوم -

بيت لحم أفراح القلوب المكسورة

بقلم:إميل أمين

على مر قرون طويلة، كان شهر ديسمبر (كانون الأول) في بيت لحم، وبقية المدن الفلسطينية، موسماً للفرح والبهجة، حيث تمتلئ المدينة بالحجاج القادمين من البقاع والأصقاع كافة حول العالم، وتكتظ أروقتها الضيقة بالسياح، لكن منذ عامين، ومع اندلاع حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة، انكسرت القلوب التي لديها بقية من حس إنساني.

أي كريسماس يشعر به سكان مدينة المهد، أو أصحاب أي ضمير إنساني، وسط منظر الأنقاض، والركام المتبقي من مدينة غزة.

لم يعد الطفل وأمه مريم الوجهين الوحيدين اللذين يبكيان في المغارة، هناك قرابة مليوني غزاوي يعانون المهانة، في خيام أقل كرامة من المغارة، حيث تهطل الأمطار، وتعصف الرياح.

فرح بيت لحم بمولد السيد المسيح، يغلفه الأسى، ويشوبه القلق، رغم المحاولات المتعددة التي جرت في الأيام الماضية، للقفز فوق جسر التنهدات، لكنه الاحتلال البغيض، بوجهه القاسي وجراحه التي خلفها في قطاع غزة.

بين قرابة 50 ألف قتيل، قضى 3 في المائة من تعداد مسيحيي غزة، من جراء الضربات الوحشية الإسرائيلية، وهي شهوة قلب حكومة يمينية متطرفة، ألا تبقى هناك بقيةٌ لمسيحيي فلسطين، شهود الميلاد منذ نحو ألفي عام.

للعام الثالث على التوالي تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معبر بيت حانون، وتحرم الفلسطينيين المسيحيين من الوصول إلى بيت لحم، حيث موسم الحج وكنيسة المهد، في إطار العقوبات الجماعية التي تفرضها على أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع.

استهدفت إسرائيل خلال الحرب 3 كنائس رئيسية في غزة بشكل مباشر، ومنها ما تكرر استهدافها أكثر من مرة؛ مما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بمبانيها التاريخية ومرافقها الخدمية، عطفاً على سقوط ضحايا.

لم تعر حكومة نتنياهو اليمينية، المغرقة في تطرفها أدنى انتباه للمناشدات الدولية، مدنية كانت أو دينية، لحرمة أماكن العبادة، ولا لحال النساء والأطفال وكبار السن، الذين احتموا بحرم تلك الكنائس ولم يسلموا من قذائف الكراهية.

المسافة الجغرافية بين مدينتي غزة وبيت لحم، تقدر بـ75 كيلومتراً فقط، تقطع في قرابة الساعة ونصف الساعة على أقصى تقدير، لكن الغي الإسرائيلي السادر، والذي قطعها بحواجز عسكرية، جعل منها مسيرة آلام تحتاج ليوم أو بعض يوم، حال الحصول على تصريح مقيت.

تحلم إسرائيل بكسر إرادة الشعب الفلسطيني، لكنها أوهام المحتل، فرغم الأحزان، فإن «شعب الجبارين» لا يزال قابضاً على الجمر بيديه، وفي الميلاد يحاول إعادة إشعال الشموع في وسط ظلام القلوب المنفطرة.

لم تكن حرب إسرائيل على غزة، حرباً على الأرض فحسب، بل إنها تمس الروح، وتخنق النور الذي يشع من القلوب.

الفلسطينيون هذا العام، وبدلاً من أن تحتفل كل بلدة على حدة، اتفقوا على الاجتماع لإضاءة شجرة واحدة في بيت لحم، رمزاً للوحدة، ولإيصال رسالة قوية تعكس التضامن، مسلمين ومسيحيين معاً، وليظهروا للعالم أنهم يعيشون معاً أمةً واحدةً تحت الألم وتحت الحصار.

عامان من الإبادة الجماعية، والمذابح الوحشية، جعلا الفلسطينيين ينصهرون معاً في بوتقة المجد، عبر طريق الآلام المعاصر، ولهذا يبقى البعث قريباً، وغداً لناظره قريب.

تجيء أعياد الميلاد في الأرض المحتلة على مشارف المرحلة الثانية من تنفيذ اتفاق شرم الشيخ، ورحلة نتنياهو المنتظرة إلى واشنطن، وليس سراً القول إن شهوة قلبه، إفشال جهود السلام، والعودة إلى مربع الحرب، وإكمال مخطط تفريغ الأرض من شعبها.

عذابات الشعب الفلسطيني، لا تقف عند حدود أعمال سلطات الاحتلال فحسب، بل تتجاوزها إلى دناءات المستوطنين، الذين وصلت هجماتهم في الضفة الغربية إلى أعلى مستوياتها منذ أن بدأ مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في جمع البيانات عام 2006، وبلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة.

حين وُلد المسيح، رتلت الملائكة «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام».

أهي متناقضات القدر أن تخلو أرض المهد من السلام بسبب الرؤى الأبوكريفية الإسرائيلية؟

على غير العادة، أصدر البابا ليو الرابع عشر، رسالة اليوم العالمي التاسع والخمسين للسلام، قبل موعدها التقليدي في الأول من يناير (كانون الثاني) كل عام.

البابا الأميركي الأصل، عنون رسالته «السلام لكم جميعاً، نحو سلام مُجرد من السلاح، ويُجرد من السلاح».

وفي متن رسالته يتساءل عن العدل وكرامة الإنسان المعرضين اليوم أكثر من أي وقت مضى للخلل في ممارسة السلطة بين الأقوياء. ويتساءل: كيف نعيش في هذا الزمن، زمن عدم الاستقرار، والصراعات، وننجو بأنفسنا من الشر؟.

لتفرح بيت لحم وغزة، حتى ولو فرحاً مكسوراً اليوم، لكنه مكلل بالنصر في الغد... ميلاد مجيد.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيت لحم أفراح القلوب المكسورة بيت لحم أفراح القلوب المكسورة



GMT 17:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ميلاد مجيد محاصر بالتطرف

GMT 17:16 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكومة العالم

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 17:13 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 17:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

GMT 17:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 17:10 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظاهرة الأصولية وحالة «التأقلم الماكر»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 17:52 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

دواء جديد يوقف تطور مرض ألزهايمر في مراحله المبكرة
 لبنان اليوم - دواء جديد يوقف تطور مرض ألزهايمر في مراحله المبكرة

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية

GMT 13:08 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

أمير منطقة الرياض يرأس جلسة مجلس المنطقة

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد

GMT 11:29 2012 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

ضرائب متراكمة على النجمة باميلا أندرسون

GMT 13:54 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

المحرق ينظم مهرجانه الخامس عشر بمناسبة الأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon