إسرائيل من الحروب مع الأنظمة إلى الحرب مع المنظمات

إسرائيل من الحروب مع الأنظمة إلى الحرب مع المنظمات

إسرائيل من الحروب مع الأنظمة إلى الحرب مع المنظمات

 لبنان اليوم -

إسرائيل من الحروب مع الأنظمة إلى الحرب مع المنظمات

بقلم : عبد الرحمن شلقم

بعد أيام من إعلان ديفيد بن غوريون، قيام دولة إسرائيل، تحركت مفارز من جيوش بعض الدول العربية، وهاجمت الكيان اليهودي الوليد. لم يكن لدى الكيان الإسرائيلي جيش نظامي تقليدي، إنما انتظمت قوته المسلحة في مجموعات، أطلق عليها العرب عصابات. أغلب المقاتلين كانوا من اليهود القادمين من شرق أوروبا. خاضت الجيوش العربية، وهي تكوينات مسلحة حديثة التأسيس، قليلة التدريب والتأهيل بتسليح قديم محدود الفاعلية. لم يكن هناك تناسب بين الطرفين المتحاربين، في العدد والتسليح والتأهيل القتالي.

العصابات الإسرائيلية كان قوامها أضعافاً مضاعفة للمقاتلين العرب. كثير من قادة المسلحين الإسرائيليين قاتلوا في الحربين العالميتين. فوجئ العرب بالطيران الحربي الإسرائيلي الذي أحضره اليهود من دول أوروبا الشرقية. هاجمت المنظمات المسلحة الإسرائيلية القوات العربية، بتكتيك حرب العصابات المتحركة، وهاجموا الفلسطينيين المدنيين في المدن والقرى، وأجبروهم على الرحيل إلى الدول العربية المجاورة. قرار الأمم المتحدة رقم 181، الصادر سنة 1947، قسم أرض فلسطين بين الفلسطينيين واليهود. 42.3 لفلسطين و57.7 لإسرائيل. ومدينة القدس تحت إدارة دولية. رفض العرب القرار واتفقت دول الجامعة العربية، على الدفع بقوات عسكرية لتحرير كامل أرض فلسطين. بعد معارك لم تدم طويلاً، خسر العرب المعركة، واستولت المنظمات الإسرائيلية المسلحة على 78 في المائة من كامل أرض فلسطين، 85 في المائة من سكان كل فلسطين.

في جلسة طويلة بطرابلس، سنة 1999 مع وزير الدفاع المصري الأسبق الفريق أول محمد فوزي، ومعه الوزير سامي شرف، كاتم أسرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومدير مكتبه لسنوات طويلة. استمرت جلستنا من الغداء إلى العشاء، ومعنا الأخ محمد بلقاسم الزوي، السياسي الليبي رفيق العقيد معمر القذافي، وشغل مناصب مهمة في عهد سبتمبر (أيلول)، وكان اللقاء في مزرعته بضاحية طرابلس.

تحدث الفريق فوزي عن محطات عسكرية وسياسية مصرية وعربية، بتفصيل شيق وممتع ومثير، عن محطات ساخنة في مصر والبلاد العربية منذ ثورة يوليو (تموز)، بما كان فيها من طموحات وانتصارات وانكسارات. حرب فلسطين سنة 1948، كان محمد فوزي مقاتلاً شجاعاً بارزاً فيها، وشهد له بذلك من كتب عن تلك الحرب. فصَّل بعلمه العسكري الواسع الشامل، حيث قاد الكلية الحربية المصرية لسنوات طويلة، وخبرته القتالية العملية الميدانية؛ إذ قاد حرب الاستنزاف المصرية، ضد إسرائيل بعد هزيمة يونيو (حزيران) سنة 1967.

قال الفريق أول محمد فوزي، إن الجيوش العربية في حرب فلسطين، ارتكبت أخطاء قاتلة لا حدود لها. أولها الغياب الكامل للمعلومات عن القوة المقاتلة اليهودية. كانت الصورة عن اليهودي في العقل العربي، أنه ذلك التاجر البسيط، الذي يتجول فوق حماره ويبيع العطور والبخور وغيرها للنساء، ومن هم أحسن حالاً يمارسون التجارة، والاستيراد والتصدير ولا علاقة لهم بالقتال وفنونه.

لم تكن للقيادات العسكرية والسياسية العربية، معلومات عن التكوين العسكري القتالي للقوات العبرية. كان المسلحون الإسرائيليون يخوضون حرب العصابات بتكتيك مندفع سريع، مع حرية مطلقة للقيادات الميدانية في تكتيكات الهجوم والانسحاب والالتفاف. أعدَّ العدو خرائط طوبوغرافية دقيقة لكل أرض فلسطين، وخططوا على أساسها توجهات قواته وسرعات تحركها.

في المقابل، كانت القوات العربية تقاتل بخطط وتكتيكات الجيوش النظامية، وتتحرك بانضباط عسكري تراتبي، وفقاً للأوامر الصادرة من القيادات العسكرية الأعلى. كان للتسليح الخفيف الذي استخدمته المنظمات الإسرائيلية دور فعال في المعارك. استشهد الضابط المقاتل الفريق أول محمد فوزي بمعارك خاضتها جيوش في حروب عالمية وإقليمية في التاريخ الحديث.

قرأت مذكرات الفريق فوزي عن حرب الاستنزاف المصرية، وتابعت مقابلاته المرئية مع الدكتورة هدى جمال عبد الناصر، وعدت إلى ما نجا من مذكراتي، من هجوم الرعاع على منزلي بتحريض من نظام العقيد معمر القذافي بعد ثورة فبراير (شباط).

حرب العصابات التي تحدث عنها مطولاً الفريق فوزي، أعادني إليها ما تشهده الأرض الفلسطينية، من حرب إبادة غير مسبوقة في التاريخ في غزة. إسرائيل في كل حروبها مع الجيوش النظامية العربية منذ حرب فلسطين الأولى، حققت انتصارات ساحقة في وقت قصير. في حربي السويس سنة 1956 ويونيو سنة 1967 اجتاحت سيناء في ساعات محدودة، لكنها إلى الآن تخوض حرباً تقترب من السنتين، مع منظمة مسلحة صغيرة، ورغم استخدام إسرائيل أسلحة عالية التقنية، ودفعت الكثير من القتلى، وفي لبنان خاضت حروباً مع منظمة «حزب الله»، وطالتها صواريخ منظمة الحوثي من اليمن البعيد.

إسرائيل قامت بقوة المنظمات المسلحة؛ وهي لذلك تخافها لأنها خُلقت على يدها وتعرف فاعليتها. الجنرال الإسرائيلي الأبرز موشي ديان، ذهب إلى فيتنام الجنوبية زمن الحرب الأميركية - الفيتنامية. لم يهتم الجنرال ديان بما يقوم به الجيش الأميركي، لكنه تابع بدقة وبالتفصيل تحركات «الفيتكونغ»، وهي المنظمة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام.

ما تقوم به إسرائيل الآن في غزة، سيكون لهيباً عليها في بحر منطقتنا الهائجة المائجة، إذ لا وجود للجنرال ديان الآن في إسرائيل.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل من الحروب مع الأنظمة إلى الحرب مع المنظمات إسرائيل من الحروب مع الأنظمة إلى الحرب مع المنظمات



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon