صدمات عبد الناصر

صدمات عبد الناصر

صدمات عبد الناصر

 لبنان اليوم -

صدمات عبد الناصر

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

أول سؤال أثارته تسريبات حديث جمال عبد الناصر في مخيلتي هو: هل كانت الأمواج البشرية الغفيرة التي خرجت في جنازته ستخرج بهذا الشكل غير المسبوق، لو أن التسريبات ظهرت قبل وفاته؟

لنتذكر أننا استمعنا لهذه المكاشفة الخطيرة بعد 55 عاماً من رحيله. فمهما يكن، تجاوز المصريون والشارع العربي ذاك التأثير المتوقد لشعاراته وخطبه. أحد الأصدقاء المصريين كان يكرر متهكماً أن شوارع القاهرة المزدحمة كانت تخلو من المارة في حالتين؛ خطبة لناصر أو حفلة لأم كلثوم. أعود للسؤال الافتراضي.

في رأيي أن الجماهير كانت ستخرج كما رأيناها، ربما أكثر، لأسباب موضوعية، الناصريون سينطلقون دفاعاً عنه كما نسمعهم اليوم في شاشات التلفزة وهم في حالة نكران للحقيقة المؤلمة، هو الأب الروحي لطموحاتهم، المحلية والخارجية رغم الهزائم في الحالتين، هو الضالة التي وجدوها أخيراً وأعطوها حق القيادة بإعجاب وصل حد التقديس، بالنسبة لهم لم يتغير شيء لأنهم في حالة نكران. أما من هم ضده، وهم قلة في ذلك الوقت، فسيخرجون بحرقة وألم لأن عبد الناصر في ذلك الوقت لم يكن زعيماً للمصريين فقط، هو نصّب نفسه مسؤولاً عن الأمة العربية، ومهما كانت حقيقته سيتقبلونها أو يدافعون عنها، لأن شعاراته التي ظلوا يسمعونها لسنوات ربطته بكرامتهم وقوتهم وعزتهم ومكانتهم في العالم العربي. عبد الناصر نجح في صناعة نموذج صعب أن يتحقق؛ نموذج الرجل الذي إن لم تحبه ستُعجب به. ستكون جنازته أكبر والجموع أكثر والبكاء أشد حرقة، ليس حزناً بقدر الشعور بالصدمة والخذلان أمام العالم.

عبد الناصر وضع في ذهنه عالماً عربياً هو من يختار قيادات دوله، من خلال خريطة يفترشها على طاولة محاطة برجاله العسكر. هذا ليس جنون عظمة بالمعنى الكلاسيكي، هذا حال رجل جريء في منطقة مهلهلة هشة قابلة للكسر للتو خرجت من الاستعمار في معظم مناطقها، وتحلم أن تحكم نفسها.

وكلمته التي لا يسمح إلا أن تُطاع تحققت في سوريا التي احتلها باسم الوحدة العربية، وأصبحت تابعة له حرفياً تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة. وكان أبرز خصومه الدول الملكية، التي كان ينعتها بالرجعية، خصوصاً في منطقة الخليج، وحاربها بكل قوته.

عبد الناصر الذي في التسريبات ليس هو نفسه الذي تدخل في الجزائر ودعم ثوارها ضد المغرب، وتدخل في حرب الكونغو ضد انفصاليين اتهموا رئيس وزرائها بالتآمر. لا يمكن أن نفهم سوى أننا أمام شخصية أرادت زعامة العالم العربي والأفريقي، من خلال طموح متعالٍ لم يتوقف إلا في يونيو (حزيران) 1967.

السؤال الافتراضي الثاني، هل صحيح أن عبد الناصر لو بقي حياً كان سيفعل ما فعله محمد أنور السادات ليُعيد سيناء؟

أشك، على الأقل ليس من حيث التفاصيل. سيعتمد الدبلوماسية والوساطات الخليجية للضغط على الولايات المتحدة الأميركية. والمفاوضات بطبيعتها طويلة الأمد ما لم يكن هناك حسم وقوة في أطراف التفاوض. لا نتخيل مثلاً وقوف عبد الناصر في الكنيست الإسرائيلي لدعوة الإسرائيليين للسلام. وفي الواقع، لو أراد عبد الناصر أن يستبدل بشعاراته الثورية شعارات السلام واسترداد الأرض لفعل، فقد كان أمامه وقتٌ كافٍ ليبث حديثه لتلميذه القذافي.

المشهد المتخيل أن عبد الناصر كان سيعتمد لغة اللاوضوح في خطاباته الداخلية، لكنه سيكون مفاوضاً واضحاً تحت الطاولة، لن يقبل أن يرى نفسه منكسراً أمام الملايين من المحيط للخليج، ليس بهذه البساطة.

لكن تظل كل هذه تخمينات، لا نعلم كيف كانت ستجري الأمور في عقل رجل سيكتب عنه التاريخ مجدداً، بأقلام ستتصارع وتختلف حوله. يحق لنا أن نسميه «أبو الصدمات»، صدمنا حياً بهزيمة 67، وميتاً بعد انكشاف الحقيقة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صدمات عبد الناصر صدمات عبد الناصر



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon