الذكاء الاصطناعي والإبداع

الذكاء الاصطناعي والإبداع

الذكاء الاصطناعي والإبداع

 لبنان اليوم -

الذكاء الاصطناعي والإبداع

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

هناك فكرة مخيفة مفادها أن أحد أشهر برامج الذكاء الاصطناعي «ChatGPT» يستطيع أن يكتب مقالةً أو روايةً أو حتى بحثاً علمياً، بإتقان وبراعة لا متناهية.

قدم لي أحد أقاربي مقالاً مذيلاً باسمي، وقال إنه مقال قديم لي. قرأته، نعم يشبهني، لكني كنت متأكدة أني لم أكتبه يوماً، واحتفظت بإنكاري أنني لم أفعل. المقال كان يتبنى أفكاري وأسلوبي الكتابي الذي ينفرد به كل كاتب، أستطيع أن أقول إنه يمثلني بنسبة تفوق 80 بالمائة، وهي نسبة مرعبة. اتضح أن الموقف كان مزحةً من قريبي المتخصص في تقنية المعلومات، أراد أن يقنعني بسلطة الذكاء الاصطناعي وهيمنته التي لا نستطيع أن نتخيل إلى أي مدى ستصل. أنا اليوم على قيد الحياة وأستطيع إنكار ما هو ليس لي، لكن دوام الحال من المحال، بعد مدة، قد لا أكون متوفرة لأقول هذا لي أو لا. موقف بسيط لكنه شرح بوضوح الجانب السلبي للذكاء الجديد.

منذ بدء التاريخ الإنساني، كان التزوير وتلفيق المنتج الأدبي موجوداً، قصائد ومقالات وقصص وأبحاث لم يكتبها أصحابها، كانت أقلام مأجورة، لكنها مكلفة مادياً للذين لهثوا خلف الشهرة لأنها مدفوعة الثمن، كما أنها قد تكون عرضة للكشف والفضيحة لأي سبب. أما اليوم فهذه المخاطر غير واردة مع «ذ.إ» لا تكلفة ولا فضيحة. وأنا أكتب هذا المقال فتحت تطبيق «ChatGPT» ووضعت هذا الأمر: اكتب لي عبارة تحاكي أسلوب الروائي ديستوفسكي. جاءت الإجابة خلال ثانيتين تماماً:

«كان يمشي في الزقاق الضيق كما لو أن خطاياه تُثقل قدميه، وكل ظلٍّ يمرّ به يهمس له بما يعرفه جيداً: أنك لست ضحية العالم، بل صنيعة جراحك التي اخترت ألا تداويها»!!

ذُهلت، هل هذا حقيقة؟ عدت لأسأله: ما احتمالية أن أجد هذه العبارة في «غوغل» أو في أي مكان؟

جاءتني الإجابة: هذه العبارة من تأليفي ولم تُنقل من أي مصدر معروف أو منشور، لذا لن تجدها مطابقة في «غوغل» أو في أي مكان آخر.

اليوم علينا أن نعيد حساباتنا، على مؤسسات التعليم أن تدرك أن الطالب يستطيع أن ينجز بحثاً متقناً بكل تفاصيله خلال ثوانٍ. هذا غش وتزوير صريحان، يتنافيان مع شرط الأصالة، فماذا هم فاعلون؟ في فترة مضت، كنا نحذر الطلبة بألا يعتمدوا في أبحاثهم على موقع «ويكيبيديا» بل يتوجهون للمصادر العلمية المعروفة، أولاً، لأنه مصدر غير موثوق، وثانياً لأن معلوماته قابلة للتعديل من أي شخص كان. كان من السهل كشف الطالب الذي لا يمتثل من خلال اقتطاع سطور من بحثه والبحث عنها في «غوغل». لكن مع «ذ.إ» الوضع آمن.

حينما أتأمل هذه التقنية أفكر أن الأسوأ في نظري يلامس حالتين؛ الأولى من سيكتب التاريخ؟ التاريخ الذي تمتلئ به مكتباتنا اليوم كان دائماً عرضة للنقد والتشكيك بالمؤلفين وحقبهم الزمنية، والأخذ والرد، والتفنيد، رغم أنه كُتب بشكل تقليدي على يد إنسان. بعد 20 عاماً كم كتاب تاريخ على الرف نثق أنه حقيقي النقل والكتابة، وليس صنيعة آلة ابتكرها الإنسان وأصبحت أكثر تفوقاً منه في سرعة التنفيذ والإنجاز. هل سنتوه داخل دائرة مغلقة بحثاً عن الحقيقة؟

الحالة الثانية المقلقة هي الأبحاث العلمية. الباحث يقضي شهوراً وربما سنوات ليخرج ببحث رصين يستطيع نشره. في واقعنا اليوم، يستطيع الباحث إنجاز بحث يتضمن نتائج علمية لا تمت للواقع بصلة سوى ما اجتهد فيه «ذ.إ»، وأخرجه بعد المرور على آلاف الأبحاث المشابهة. حتى أنه يستطيع أن يقدم إحصاءات، وجداول، ورسوماً بيانيةً ليبدو البحث متكاملاً. في حالتنا التقليدية، كان الباحث ليُطرد من الجامعة أو المركز البحثي إن تسربت معلومات حول حقيقة أبحاثه، لكن من يستطيع اليوم أن يكون شرطياً للأبحاث؟

من ناحية أخرى، يستطيع من يتهمني بالسلبية والسوداوية أن يقول إنه استطاع عمل دراسة جدوى لمشروع اقتصادي كبير خلال دقائق بفضل «ذ.إ» مما وفر عليه الوقت والجهد. برنامج إيلون ماسك «Neuralink» يخترق العقل البشري، هذه سلبية، لكنه قد يساعد في الشفاء من الشلل والأمراض العصبية. وأمثلة أخرى كثيرة لا حصر لها. أنا مؤيدة لذلك، وأنوي شخصياً الاستفادة من هذه الثورة المعلوماتية، ولكن فكرتي أن «ذ.إ» سلاح ذو حدين، والحد الموجع الرهيف مؤذٍ، وقد ينتج لنا أفراداً جهلاء فقيري المعرفة لكنهم أصبحوا مرموقين بفضل أعمال لم يقوموا بها ومعارف لم يكتسبوها. هذه المعضلة لا أستطيع تجاوزها.

الحقيقة أن «ChatGPT» وغيره من التطبيقات غيرت وستغير حياة الناس للأفضل، وظهر وسيظهر في المستقبل المزيد منها التي تعمل عمل المستشار والسكرتارية والهندسة وكفاءة الأعمال وتشخيص الأمراض وتصميم الأدوية ومنافع لا نهاية لها. لكن المخاطر حاضرة، وعلينا إيجاد حلول لها، مثل مخاطر كل تقنية عشنا ظهورها؛ الطائرات والكهرباء والهندسة الوراثية والطاقة النووية... إلخ

خلال كتابة مقالي هذا سألت «ChatGPT» عن أنواع وخصائص التقنيات الحديثة وأجابني.

ثم وجدت منه سؤالاً أسفل الصفحة أضحكني: هل ترغبين أن أكتب لك سيناريو قصيراً أو قصة قصيرة بأسلوب دوستويفسكي عن شخصية تعيش وسط هذه التقنيات الخطيرة؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكاء الاصطناعي والإبداع الذكاء الاصطناعي والإبداع



GMT 14:36 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

الفساد وصل إلى الجميد !

GMT 14:35 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

المدينة العمياء

GMT 14:34 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

«الزحلاوي» توم برّاك

GMT 14:33 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

من بونداي إلى تدمر... تحدي «داعش» العابر للحدود

GMT 14:32 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

استعادة لبنان بإنهاء هيمنة السلاح وإطلاق الإصلاح!

GMT 14:30 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

ها هو التاريخ أمامك يا جبران

GMT 14:27 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

نحو عام جديد... نرفعُ الأشرعة

GMT 14:26 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 22:14 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 لبنان اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها

GMT 12:12 2017 الثلاثاء ,04 إبريل / نيسان

جرائم زنى المحارم صداع في رأس المجتمع التونسي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon