استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

 لبنان اليوم -

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

بقلم :ناصيف حتّي*

تعبر الاستراتيجية الأميركية الجديدة عن رؤية «ترمبية» واضحة أكثر مما تعبر عن ما كان -سابقاً- بمثابة ثوابت في الرؤية الأميركية للعالم وأولويات التحديات التي تواجهها واشنطن وكيفية التعامل معها، ومع الخصوم التقليديين، وذلك بالتعاون مع الحلفاء الاستراتيجيين أو الأطلسيين (نسبة للحلف الأطلسي). بالطبع تبدأ بالتأكيد على الشخص «رئيس السلام» وكذلك رؤيته والتي تشكل قطيعة أو ابتعاداً عن الماضي القريب والبعيد.

وللتذكير فإنَّ إدارة ترمب الأولى -وبعدها إدارة بايدن- كانت تلجأ لما صار بمثابة لغة تقليدية في اتهام الصين الشعبية وروسيا الاتحادية بأنهما تعملان على صياغة نظام عالمي جديد نقيض للمصالح والقيم الأميركية: الصين الشعبية عبر سياسة التنافس الاقتصادي بشكل خاص وروسيا الاتحادية عبر سياسات عدوانية وتخريبية.

الخطاب الجديد بعيد كل البعد عن لغة واشنطن السابقة مع الحلفاء الغربيين بشأن صياغة نظام عالمي ليبرالي يندرج في منطق وكذلك في مسار العولمة، ولو كانت هنالك الحاجة إلى احتواء بعض الآثار السلبية لتلك العولمة الجارفة. العولمة التي تعكس مسار «الانتصار الغربي» في المجالات السياسية والاقتصادية والقيمية على الشرق الذي انتهى إلى غير رجعة.

استراتيجية الأمن القومي الجديدة تهدف لأن تكون خريطة طريق لتبقى الولايات المتحدة «الأمة العظمى». مفاهيم التعاون الدولي والأممي المتعدد الأطراف والأبعاد ليست موجودة في «عقيدة ترمب»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مفهوم الحلف الغربي الذي يعبر عنه بشكل خاص وليس وحيداً بالطبع منظمة حلف شمال الأطلسي. إنها سياسة الأحادية الحادة والتعاون بالقطعة وخلط الأولويات والمقاربات كما يقال التي تشكل أساس «العقيدة الترمبية». الأولوية في العقيدة الترمبية تبقى لـ«القارة الغربية» أو الأميركتين، وهذا يذكر بالعودة إلى «عقيدة مونرو» (1823) حيث تعتبر أميركا الجنوبية منطقة النفوذ الأساسي وكذلك الموقع الأولي في استراتيجية واشنطن. ستواجه الولايات المتحدة وضعاً قوامه أن الصين الشعبية هي الشريك التجاري الأول لأميركا الجنوبية وأن لروسيا الاتحادية علاقات عسكرية متطورة مع بعض دول الإقليم اللاتيني. رغم ذلك يبقى الهدف الأميركي بناء منطقة نفوذ شبه مطلق في المنطقة.

وعلى صعيد أوروبا، المثير للاهتمام بشكل خاص هو التركيز على المخاطر التي تواجهها القارة القديمة، والتي ليس مصدرها عسكرياً، أو جيوسياسياً، حسب الرؤية الأميركية، بل ناتجة من انهيار الهوية الثقافية ومخاطر التحولات الديمغرافية وتداعياتها التي تشهدها أوروبا بسبب ازدياد الهجرة وانعكاساتها السلبية المختلفة على المجتمعات الأوروبية كما يكرر الرئيس الأميركي. الأمر الذي بدأ ترمب بمعالجته في الولايات المتحدة عبر سياسات إقفال الحدود والتخلص التدريجي والانتقالي من بعض أنواع الهجرة أو تحديداً وفقاً لهوية المهاجرين. ويلتقي ترمب في هذا الأمر مع التيارات اليمينية المتشددة في أوروبا. فالخطر بالنسبة إلى أوروبا ليس في الحرب الأوكرانية أو الطموحات الخاصة بتمدد النفوذ الروسي عبر الحرب التي قدم ترمب مقترحات واقعية وعملية «لحلها» أو لإطلاق مسار الحل، بل يكمن الأمر في معالجة جذرية للمخاطر التي تتعرض لها المجتمعات الأوروبية من خلال فتح أبواب الهجرة التي تحمل «مخاطر محو الحضارة» الأوروبية.

وفي ما يتعلق بآسيا، أو تحديداً منطقة المحيطين، «فواقعية» ترمب تعترف أن هنالك تنافساً وتصادماً وكذلك إمكانية تسويات وتوافقات في المجالات الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية بوجود مصالح وأدوار لقوتين عظميين بشكل خاص هما روسيا والصين الشعبية: إنه من جديد منطق التعاون بالقطعة أو تقاطع المصالح بعيداً عن العناوين الآيديولوجية من ليبرالية وحرية وديمقراطية وغيرها. يأتي ذلك تحت عنوان هو «كسب المستقبل الاقتصادي ومنع المواجهات».

تشكل أفريقيا أيضاً منطقة تنافس طبيعي أميركي مع الآخرين، وتأتي الاستراتيجية الأميركية الجديدة حاملة لعنوان تهدئة النزاعات والعمل أو المشاركة في تسويتها عندما يمكن القيام بذلك والدفع نحو تعزيز العلاقات التجارية في ظل ازدياد الدخول والتمركز الاقتصادي الصيني المتزايد في أفريقيا.

ويحظى الشرق الأوسط بأهمية خاصة في الاستراتيجية الأميركية الجديدة مع التحولات الحاصلة في المنطقة بين خليط من الفرص والتحديات: فرص تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري في المنطقة كما تقول واشنطن، وتحديات الحروب والأزمات والتحولات المترابطة بشكل أو آخر والمفتوحة على احتمالات متعددة. يحصل ذلك فيما تنشط واشنطن في «دبلوماسية بناء السلام»، كما تقول، من دون أن يعني أنها ستنجح في مقاربتها ما دامت لم تعتمد الأسس التي صارت معروفة للتوصل إلى السلام الفعلي والمطلوب، وليس إلى ترتيبات تبقى موقتة وهشة، لإنقاذ المنطقة من المزيد من الحرائق.

المستقبل -القريب والبعيد- سيظهر مدى نجاح الاستراتيجية الأميركية الجديدة في رؤيتها ومقارباتها ومساراتها العملية في الأقاليم المعنية حسب تلك الاستراتيجية.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon