سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

 لبنان اليوم -

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

بقلم : فهد سليمان الشقيران

يبدو النقاش حول مفهوم الحداثة وإشكاليات تبيئته خارج الغرب في حال تصاعد، وتزداد حدّة السجال مع كل هزةٍ أو تغيّر جذري صادم. بعض المفاهيم تكبر مع المجتمعات، ولكنها لا تشيخ رغم مرور الوقت، بل تعبّر باستمرار عن صلاحيتها للفهم والتطبيق، ولدينا في مفهوم «الحداثة» أكبر مثال على هذه الحالة. لقد تحدّى هذا المفهومُ كلَّ الهجمات التي نالتْه منذ «الحداثة البعدية» إلى الصرعات التقنية والتكنولوجية، وليس انتهاءً بتفجّر المفاهيم الانعزالية والانكفائية، كما جسدتها طروحتا «نهاية التاريخ» و«صراع الحضارات».

بمعنى أنه على الرغم من كل الخضّات التي حدثت، فقد بقيَّ مفهوم الحداثة على حيويته وقاوم كل عاتيات الرياح وجميع عوادي الزمن. وكما نعلم، فقد اعتبر البعضُ أن الحداثةَ ليست إلا مجرّدَ حقبة تاريخية، وبالتالي فمآلها إلى الزوال، كما يعبر عن ذلك الفيلسوفُ الإيطالي جاني فاتيمو في كتابه «نهاية الحداثة»، والذي درَس فيه العلاقةَ التي تربط بين نتائج كلٌ من الفيلسوفين فريدرك نيتشه ومارتن هيدغر، واعتبر نتائجهما مرجعاً ثابتاً لأطروحته، باعتبارها من الخطابات المؤسسة لفكرة نهاية العصر الحديث، ولحقبة ما بعد الحداثة.

وبصرف النظر عن ذلك القول الفلسفي، يمكن أن نتّجه نحو علاقتنا نحن المسلمين بالحداثة نفسها، لنرى هل بالفعل فشل العالمُ الإسلامي في التحديث وفي كسب رهاناته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، كما يناقش المستشرق برنارد لويس في كتابه «الإسلام وأزمة العصر»؟! لويس، بعد رصده لإحصائياتٍ وأرقامٍ مرعبة حول البطالة واليأس والتطرف في العالم الإسلامي، قال بالنص: «ما لا يثير الدهشة أن يتحدّث كثير من المسلمين عن إخفاق التحديث، وأن يقابلوا الاختلافَ في تشخيص أمراض مجتمعاتهم بوصفاتٍ متباينة لعلاجها.

والإجابة بالنسبة للبعض هي بالمزيد من التحديث والقيام به على نحوٍ أفضل، بحيث يتوافق الشرق الأوسط مع العالم الحديث والعالم الآخذ بالتحديث. وبالنسبة للبعض الآخر فإن الحداثة نفسها هي المشكلة ومصدر كل بلاء». والحقيقة أن المشكلة مركبّة بين المفهوم ومستقبِليه، وهذا ما انتبه إليه المؤرخ الفرنسي مارسيل غوشيه في كتابه «الدين في الديمقراطية»، إذ لم يطل الوصف، بل اختصر التاريخ السجالي بين العالم الإسلامي والحداثة مستشهداً بمقولة صموئيل هانتنغتون: «المسلمون يسعون إلى أسلمة الحداثة، بدلاً من السعي إلى تحديث الإسلام».

وفي الواقع، فإن هذه المقولة فيها تصعيد وتعميم على العالم الإسلامي، وذلك لسببين اثنين: الأول: أن من حاول أسلمة الحداثة أو اعترض عليها وشوّه معناها، وقطع طريقها.. هي جماعات أيديولوجية متطرفة اختطفت الوعيَ العام للمسلمين وملأتْه بأفكارٍ وخيالاتٍ عن مصائر التحديث وأثره الكارثي على الدين والأخلاق، وبالتالي فإن المسلمين العاديين هم رهائن لدى تلك الجماعات التي هيمنت على العديد من دول العالم الإسلامي ومجتمعاته.

ثانياً: وعلى الرغم من إشارة برنارد لويس حول أنماط تحديث بسيطة في العالم الإسلامي، فالواقع أنه تجاهل أنماطَ الحداثة المتوازنة في آسيا وفي دول الخليج، كونها كلها نماذج حداثة متوازنة وناجحة، وهذا يدلّ بوضوح على أن المسلم المعتدل ليست لديه إشكالية دينية مع الحداثة، إذ نجد أنه استوعبها وطبّقها على النحو الذي نعيشه اليوم. والخلاصة، أن مفهوم الحداثة يكبر ويتطوّر مع المجتمعات.. صحيح أنه تعرّض لزلازل وانتقادات نظرية كبرى، غير أنه بقي المفهومَ الأكثر راهنيةً وحيويّةً بالنسبة للمجتمعات البشرية حتى الآن.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي سؤال الحداثة والعالم الإسلامي



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon