سؤال الحقيقة و«ماهيّة التقنية»

سؤال الحقيقة و«ماهيّة التقنية»

سؤال الحقيقة و«ماهيّة التقنية»

 لبنان اليوم -

سؤال الحقيقة و«ماهيّة التقنية»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لطالما ارتبط اسم الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر بأسئلةً مزلزلة للبناء النظري الذي سبقه. انشغل مبكراً بالحقيقة وطوّر سؤالها ليكون مبناه كالتالي «ضرورة السؤال عن ماهيّة الحقيقة انطلاقاً من بدء تاريخ الحقيقة» كما هو عنوان الفصل الرابع من كتابه:«الأسئلة الأساسية للفلسفة-مشكلاتٌ مختارة من (المنطق)» والكتاب عبارة عن محاضرةٍ في فرايبورغ لدورة الشتاء عام 1937.
كتب هيدغر في الصفحات من (205) ومابعدها عن ضرورة: «تغيير اتجاه التساؤل النقدي عن الحقيقة نحو بدء تاريخ الحقيقة بصفته قفزاً مسبقاً إلى المستقبل، بوصفها ماجرّبه مفكروا اليونان من غير أن يسألوا عنه».
ثم يشرح كيف أن مفكري اليونان كانوا يعرفون الحقيقة بمعنىً مزدوج؛ أولاً: بصفتها «تجلي الكائن» أي عدم اختفاؤه، وثانياً: بصفتها توافق التمثّل والكائن، بصفتها صواباً، ثم يتحدّث عن معنى الصواب في سؤال الحقيقة.

هذا تفصيله طويل، ولكن يهمني هنا سريعاً كيف يمكن لسؤال الحقيقة أن يتمدد حتى وصل تأثيره لنقاش هيدغر المبكّر حول التقنية؟!
في الجزء الثاني من مؤلفه: «كتابات أساسية» خصص فصلاً بعنوان:«السؤال عن التقنية». وفي صفحة (154) يرى أن:«انتماء التقنية إلى مجال الحقيقة يثير في البداية استغرابنا، وهذا يعود إلى أننا نكون-عادةً-مأخوذين بالتقنية إلى حد أننا لانهتم إلا بما هو تقني، وما يهمنا عادة في التقنية هو منفعتها ومردوديتها، ووسائلها في الإنتاج وأساليبها في العمل والتنظيم، أما ماهيّة التقنية فلا نعبأ بها في العادة، إننا من شدة تعلقنا بالتقنية نُغفل السؤال عن ماهيّتها، والآن عندما تساءلنا عن ماهيّة التقنية وتابعنا التساؤل خطوةً خطوة وصلنا إلى الأمر الذي أثار استغرابنا وهو أن مجال ماهيّة التقنية هو الحقيقة».
هنا مربط الفرس لدى هيدغر بين الحقيقة والتقنية. وكلا النصّين حول الحقيقة والتقنية صدرا في الثلاثينيات؛ بمعنىً آخر فإن هيدغر يعتبر التقنية بماهيّتها متداخلة مع البحث في الحقيقة، وهذا لايعني أن نبحث في التقنية كتطوّر تكنولوجي بحت، وإنما أن نركّز على المعنى الأعمق الذي تبثّه في تحدياتها وتدخّلها بصياغة حقائقنا وأثرها في تبويب وجودنا.
في حوارٍ أجراه ريتشارد فيسر مع هيدغر بعنوان:«الفلسفة والمجتمع والتقنية والكائن». ترجمه الأستاذ إسماعيل المصدّق اختصر هيدغر ذلك الربط بقوله:«يجب أن أقول في البداية بأنني لست ضد التقنية...إنني أرى في التقنية، وبالضبط في ماهيتها، أن الإنسان يوجد تحت قوة تتحداه ولم يبق حراً إزاءها، وأن أمرا ما يعلن في ذلك عن ذاته، هذا الأمر هو علاقة للكون بالإنسان، وأن هذه العلاقة التي تختفي في ماهية التقنية ربما ستظهر للنور ذات يوم».

الخلاصة؛ أن هيدغر أعطى للتقنية ماهيّتها، وبالتالي فإن العمليّة الاستعمالية لمنجزها لن تمنحنا القدرة على فهم معناها. وهذا التحدّي الذي نعيشه الآن. لم تتقدّم البحوث الفلسفية بالشكل الكافي لمواكبة كل المستجدّات التكنولوجية لتجاوز معانيها الاستعماليّة إلى فهم ماهيّتها، ودرس علاقاتها بصياغة حقائقنا، وتداخلها مع وجودنا.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال الحقيقة و«ماهيّة التقنية» سؤال الحقيقة و«ماهيّة التقنية»



GMT 17:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ميلاد مجيد محاصر بالتطرف

GMT 17:16 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكومة العالم

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 17:13 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 17:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

GMT 17:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 17:10 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظاهرة الأصولية وحالة «التأقلم الماكر»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 17:52 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

دواء جديد يوقف تطور مرض ألزهايمر في مراحله المبكرة
 لبنان اليوم - دواء جديد يوقف تطور مرض ألزهايمر في مراحله المبكرة

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية

GMT 13:08 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

أمير منطقة الرياض يرأس جلسة مجلس المنطقة

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد

GMT 11:29 2012 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

ضرائب متراكمة على النجمة باميلا أندرسون

GMT 13:54 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

المحرق ينظم مهرجانه الخامس عشر بمناسبة الأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon