نظرية ماكس فيبر وأسباب تفوّق الملَكية

نظرية ماكس فيبر... وأسباب تفوّق الملَكية

نظرية ماكس فيبر... وأسباب تفوّق الملَكية

 لبنان اليوم -

نظرية ماكس فيبر وأسباب تفوّق الملَكية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

يسود الحديثُ الآن عن سبب تماسك الدول الملَكيّة مقارنةً بسواها من الدول التي تنامَى خطابُها منذ قرن ضمن لغة الانتخابات والبرلمانات وتقديس الديمقراطية.

والواقع أنَّنا لو عدنا لنظرية الفيلسوف ماكس فيبر لعثرنا على نظريةٍ متماسكة وقويّة أساسها تمييز التجربة الغربية عن أي نمطٍ ديمقراطي آخر؛ إنَّ فيبر وبحكمةٍ وعقلانيةٍ يرى أنَّ تجربة الدول الأوروبية من الصعب تكرارها في مناطق أخرى. لقد خصّص مساحةً من كتاباته ومحاضراته لتقييم نموذج «الصين» إذ قدّر استحالة نجاح الصين في احتذاء وتقليد التجربة الأوروبية.

ماكس فيبر في كتابه «مقالات في علم الاجتماع السياسي» الذي حرَّره ريتشارد سويدبرغ، وترجمتْه ابتسام خضرا، كتبَ مجموعة من النقاط حول هذا الموضع يمكن اختصارها في الآتي:

أولاً- «أنَّ الدولة، من حيث كونها دولة عقلانية، لم توجد إلا في العالم الغربي. ففي نظام الحكم القديم في الصين كانت هناك شريحة صغيرة تسمى الماندرين (كبار الموظفين)، وكانت تتربع فوق سلطة كاملة للعشائر والطوائف الحرفية التجارية والصناعية. وكان الماندرين أساساً مثقفين بالعلوم الإنسانية وأصحاب إقطاعات حكومية، لكنَّهم لم يكونوا مدربين على الإدارة ولو بدرجة قليلة؛ لم يكن للواحد منهم معرفة جيدة بعلم القانون، لكنَّه كاتب جيد، ويمكنه قرض الشعر، ويعرف الآداب الصينية القديمة ويمكنه شرحها».

ثانياً- «أنَّ الموظف وفي السلك السياسي لا أهمية له. ولا يباشر هذا الموظف أي عمل إداري بنفسه؛ فالإدارة تقع بالأحرى على عاتق موظفي المجلس. وكان الواحد من الماندرين يُنقل بشكل دائم من مكان إلى آخر لمنعه من الاحتفاظ بموطئ قدم في ولايته الإدارية، ولا يمكن أبداً تعيينه في الولاية التي يتحدَّر منها، إذ لأنه لا يفهم لهجة الولاية، فليس بإمكانه التواصل مع العامة».

ثالثاً- «أن الدولة التي فيها أمثال أولئك الموظفين دولة تختلف عن الدولة الغربية. الحقيقة أن كل شيء يعتمد على النظرية السحرية بأن استقامة الإمبراطور وشمائل الموظفين، أي كمالهم في الثقافة الأدبية، من شأنها أن تُبقي الأمور منظمة في الأيام العادية. فإذا حدث قحط أو أي حدث سيئ، يصدُر مرسوم يشدد على تكثيف اختبارات قرض الشعر، أو تسريع المحاكمات القانونية لتهدئة الأرواح. ولأن الإمبراطورية الصينية دولة زراعية فقد استمرت سلطة عشائر الفلاحين فيها من دون انقطاع، وهم يمثلون تسعة أعشار الحياة الاقتصادية؛ أما العُشر الأخير فيخص منظمات الطوائف الحرفية التجارية. وكانت الأمور بصورة أساسية تُترك لتهتم بنفسها؛ فالموظفون لا يحكمون، لكنهم يتدخلون فقط عند حصول القلاقل أو الحوادث المشؤومة».

رابعاً- يرى فيبر أن «الدولة العقلانية تختلف اختلافاً كبيراً، ففيها وحدها يمكن أن تزدهر الرأسمالية الحديثة، حيث يتمثل قوامها في طبقة خبيرة من الموظفين والقوانين العقلانية. وقد تحولت الدولة الصينية إلى أسلوب الإدارة بالموظفين المدرَّبين، بدلاً من المثقفين بالعلوم الإنسانية، في القرنين السابع والحادي عشر الميلاديين، لكنَّ هذا التحول لم يدم طويلاً؛ إذ وقع خسوف القمر المعتاد، واتخذت التغيرات اتجاهاً معاكساً».

خامساً- يقول فيبر، وأختصر فكرته هنا: «إنه ليس بوسعنا أن نؤكد بصورة جازمة أن روح الشعب الصيني لم تستطع احتمال إدارة الاختصاصيين. مع ذلك، لا يمكن الجزم بجدية أن روح الشعب الصيني لم تتمكن من تحمُّل إدارة من المتخصصين. فتطورها، وتطور الدولة العقلانية، كان مُلْجَماً بدوام الاعتماد على السحر».

الخلاصة أن هذه النظريّة تؤكّد معنىً مهماً؛ أن النموذج الغربي في الحكم لا يمكن تعميمه بالقوّة. إن الحالة الأوروبية لها تاريخها الخاص، كما أن للنموذج الصيني تاريخه ومعاناته المعروفة، وعليه فإن تقديس الديمقراطية الذي ساد في الإقليم وفي العالم الإسلامي عبر التثوير والخطابة والشعارات، آل بمجتمعات تلك الدول إلى ما نراه من مآسٍ وكوارث. الأساس برأيي أن الملَكيّات هي نتاج طبيعي للتجربة التاريخية والمجتمعيّة وتثبيت للأصل السياسي.

لقد أثبتت الملكيات نجاحها وثباتها. مرّ زمنٌ طويل من الاستهتار بهذا المفهوم للحكم عبر خطب الانقلابيين والأصوليين، ولكن التاريخ لا يرحم.

كان هيغل يؤكد أثر حركة التاريخ في تشكيل الواقع، ولكن في الوقت نفسه يحذّر من «مكر التاريخ». إنَّ الدول التي قدّست الديمقراطية لم تستطع بناء دولة تنموية حيوية متماسكة، وهذا هو الذي تعبنا ونحن نشرحه لبعض المثقفين العرب الغارقين في الشعارات والأوهام، وهذا هو ما لم يفهمه مقدّسو الديمقراطية الشعبويون.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية ماكس فيبر وأسباب تفوّق الملَكية نظرية ماكس فيبر وأسباب تفوّق الملَكية



GMT 17:06 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 17:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

تمنيات للجزائر

GMT 17:04 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

زيتونة فلسطينية تناجي ياسر عرفات

GMT 17:03 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

مخالب «داعش» ما زالت تخمش

GMT 17:02 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

خلوة صير بني ياس... التفكير الهادئ في زمن الاضطراب

GMT 17:01 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

«موجز القوة» ومستقبل العسكرية الأميركية

GMT 16:59 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

الأيام الجهمة

GMT 16:58 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

إذا عُرف السبب!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان
 لبنان اليوم - غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان

GMT 10:52 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 09:19 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

آبل تُطلق قريباً ميزة لهواتف آيفون

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 20:33 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب غرب إندونيسيا

GMT 11:49 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في الكويت الإثنين

GMT 18:15 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

يوفنتوس أوقف مفاوضات تمديد عقد فلاهوفيتش

GMT 04:34 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

كشف أسرار جديدة ومميزة عن التيروصورات الطائرة

GMT 13:41 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تغييرات مفاجئة تحدث لك خلال هذا الشهر

GMT 10:00 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

ترامب في زيارة رسمية إلى أيرلندا للمرة الأولى
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon