حين قرأ كسينجر لحسن البنا

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

 لبنان اليوم -

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

بقلم : فهد سليمان الشقيران

من اللافت أن يخوضَ سياسيٌّ مخضرمٌ بمجال البحث عن الإسلام السياسي، خاصة بما يتعلّق بجماعة «الإخوان المسلمين». عرَض هنري كسينجر تقييمه لهذه الحركة وآثارها على الإقليم في عددٍ من كتبه، ومنها: «سنوات التجديد» و«النظام العالمي».

وما كان هذا التعليق إلا نتيجة خبرتيْن: سياسية وعلميّة. لقد قيّم هذه الحركة ووصفها بشكلٍ دقيق. ثمة سببان لذلك برأيي؛ الأول: أن كسينجر يعرف المنطقةَ وتشعباتِها وحقب التحوّل فيها وصراعات التشكّل، ولذلك اعتبر هذه الجماعة المارقة جزءاً من تاريخ الأحداث والنكبات في الإقليم. الثاني: أن موضوع جماعة الإخوان رافعتها السياسية الأساسية ذات طابع ديني واجتماعي، وبالتالي من السهل النفوذ إلى الناس عن طريق الشعارات الدينية الآيديولوجية. وعليه، فإن درْسها شرط لفهم التحوّلات في الإقليم.

يمكن تلخيص نظرية كسينجر عن الإسلام السياسي بالآتي:

أولاً: يصف كسينجر ظهور الحركة بقوله: «وفي ربيع 1947، أقدم حسن البنا، وهو ناشط ديني، ساعاتي، معلم مدرسة، على توجيه رسالة انتقاد للمؤسسات المصرية، إلى الملك المصري فاروق، بعنوان (نحو النور)، قدمت الرسالة بديلاً إسلامياً عن الدولة الوطنية العلمانية».

ثانيًا: يتطرّق للتأسيس ويقول: «منذ أيامها الأولى، بدأت بتجمع غير رسمي لمسلمين متدينين معادين للهيمنة البريطانية على قناة السويس المصرية، كانت جماعة إخوان البنا قد نمت وباتت شبكة نشاط اجتماعي وسياسي تغطي البلاد، ذات عضوية بلغت عشرات الآلاف، ذات خلايا في كل مدينة مصرية، وذات شبكة دعائية مؤثرة تتولى نشر تعليقاته على الأحداث الراهنة».

ثالثاً: يتحدّث عن البنا والغرب، حيث يقول: «باتت القوى الغربية فاقدة التحكم في نظامها العالمي الخاص: مؤتمراتها خائبة، معاهداتها منتهكة، ومواثيقها ممزقة نتفاً». لم تكن عصبة الأمم التي أريد لها أن تحفظ السلام، إلا «سراباً». وعلى الرغم من أنه لم يستخدم العبارات، فإن البنا كان يجادل قائلاً إن نظام «وستفاليا» العالمي بات فاقداً لكل من الشرعية والسلطة. وكان يعلن صراحة أن فرصة إيجاد نظام عالمي جديد قائم على أساس الإسلام قد حَلّت.

وقد جادل يقول إن «الطريقة الإسلامية قد اختُبرت من قبل، والتاريخ شاهد على صوابها، إذا كان أي مجتمع مستعداً لتكريس نفسه لمسيرة كاملة وشاملة هادفة إلى استعادة مبادئ الإسلام الأصلية، وبناء صرح النظام الاجتماعي الذي يأمر به القرآن».

رابعاً: يتطرّق هنري كسينجر إلى حلم البنا، حيث يقول: «ومن شأن النتيجة - بحسب البنا - أن تكون متمثلة بـ(الوحدة العربية)، ومن ثم (الوحدة الإسلامية) آخر المطاف. وما شكل انتماء أي نظام عالمي إسلامي مستعاد إلى النظام الدولي الحديث، المبني حول الدول؟ جادل البنا يقول إن ولاء أي مسلم حقيقي لفضاءات متعددة، متداخلة، يتوّجها نظام إسلامي موحد من شأن مداه الشرعي أن يحتضن العالم في النهاية. يتمثل وطنه أولاً بـ(بلد معين)، ثم يمتد إلى البلدان الإسلامية الأخرى؛ لأنها كلها وطن وموئل للمسلم، وبعد ذلك يتطور ليصبح (إمبراطورية إسلامية) على النمط الذي سبق للأجداد الورعين أن أقاموا صرحه».

خامساً: يرى كسينجر أن «آيات الغموض هذه ظلت مترددة فـي نص البنا، إلا أن سجل العديد من المفكرين الإسلامويين والحركات الإسلاموية منذ ذلك الوقت قد حلّها، مرجِّحاً كفة الرفض الأصولي والأساسي للتعددية والنظام الدولي العلماني. فالباحث الديني وأستاذ العقيدة (الآيديولوجيا) في الإخوان المسلمين، سيد قطب، ربما قام بمفصلة الطبعة الأعمق والأكثر نفوذاً لهذه النظرة. ألَّف قطب، وهو في السجن بتهمة الاشتراك في مؤامرة لاغتيال جمال عبد الناصر، (معالم في الطريق)، وهو بيان حرب على النظام العالمي القائم، ما لبث أن غدا نصاً تأسيسياً للحركة الإسلاموية الحديثة. الإسلام، بنظر قطب، نظام كوني شامل يوفر الصيغة الصحيحة الوحيدة للحرية».

الخلاصة، أن درْس هنري كسينجر لهذه الجماعة، وإن كان عابراً، غير أنه ضروري باعتبار هذا الفصيل الأصولي المزعج أثّر كثيراً في السياسات والمجتمعات في الإقليم. إن نشوء هذا التنظيم المارق عطّل الكثير من أفكار السلم والتفاعل والحوار بين الشعوب، وإذا أردنا البحث في أي مجتمعٍ فعلينا التنقيب عن الأفكار المتداولة فيه، ومربط الفرس أن جماعة الإخوان هي جزء من كل النكبات التي تُعاش الآن ويعاني منها الناس... أفكار شمولية آيديولوجية معاديةٌ للإنسان ومضادةٌ للنظريات الدنيوية، ومحاربةٌ للمجتمعات والحياة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين قرأ كسينجر لحسن البنا حين قرأ كسينجر لحسن البنا



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

GMT 21:03 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشياء فى حوار أديب

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 19:02 2021 الثلاثاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

النجمة يخرج العهد من كأس لبنان

GMT 18:52 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجامعة اللبنانية وزعت نبذة عن رئيسها الجديد بسام بدران

GMT 15:33 2021 الإثنين ,05 تموز / يوليو

46 حالة جديدة من متحوّر “دلتا” في لبنان

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon