السودان حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

 لبنان اليوم -

السودان حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

بقلم: جبريل العبيدي

يعاني السودان اليومَ من مخاطرَ كبيرة تهدّد كيانَه المستقلَّ، منها التَّفكك والتَّفتت في ظل وجود عناصره ومنها العرقيات المتعددة وغير المتجانسة، التي تهدد تماسك ما تبقَّى من السودان المنقسم بالحرب وقبل الحرب الثانية، فالسودان الذي لم يشفَ من مؤامرات التقسيم بعد انفصال وافتكاك جنوبه، يواجه تكرار سيناريو التقسيم والفوضى، فالأزمة السودانية لها جذور ومسببات محلية بالدرجة الأولى، وإن تكالب الأكلة على قصعة السودان.

في السودان المنكوب بالحرب، تمثلت ذروة الصراع الطويل بين التراث المهدوي، والعسكر، والقوى الإسلامية على هوية الدولة، حيث عاش السودان دوامة من التناقضات بين التعدد الإثني والديني، فالسودانيون «محاربون بالفطرة، يتمتعون بشجاعة واستعداد فطري للقتال والولاء»، كما وصفهم الضابط البريطاني هنري سيسل جاكسون في كتابه (السودانيون المقاتلون).

فمنذ بداية الحرب، سعى طرفا الصراع للسيطرة على مناجم الذهب ومنافذ تهريبه وتصديره، بهدف تأمين تمويل مستدام للعمليات العسكرية، ومنها مناجم ذهب دارفور، وخريطة الثروات الهائلة هي ما تجعل لعاب الكثيرين تسيل نحو الإقليم المضطرب والمتمرد من مئات السنين، فالذهب والمعادن في دارفور أصبحت أدوات للصراع السياسي والاقتصادي، ومصدراً لتمويل الحرب، ما يعمّق الأزمة الإنسانية ويعقّد جهود السلام، في ظل وجود أطراف خارجية تدفع نحو اتساع فجوة الصراع، بل ومحاولات تقسيم ما تبقى من السودان بانفصال إقليم دارفور، رغم تأكيد «قوات الدعم السريع» أن السيطرة على الفاشر لا تعني انفصال دارفور عن السودان، بل سوف تعزز وحدته، وهذا قد يكون بداية الجلوس للتفاوض، خاصة بعد أن سادت حالة اللاتفاوض بين الطرفين، إذ كان الجيش يردد «سنقاتل حتى ينتهي أو ننتهي نحن». وهذا لن يحل الأزمة الدموية. المشكلة هي المعاناة القاسية والشنيعة التي يعانيها المواطنون.

السيطرة على الفاشر عاصمة دارفور غيرت خريطة الحرب وجغرافيا النفوذ، خاصة أن إقليم دارفورالغني بالذهب والمعادن، أصبح الآن شبه خالص لحكم «الدعم السريع» التي تعدّ منطقة دارفورامتداداً قبلياً لها في أصل تكوينها، ما يجعل لها حاضنة مجتمعية في دارفور، ورغم العشرات من مشاهد الإعدامات الميدانية المؤلمة والموجعة لمدنيين، التي تنبئ بتطهير عرقي، فإن مستشار ترمب للشؤون الأفريقية قال: «على قوات الدعم السريع التحرك فوراً لحماية المدنيين».

الفاشر عاصمة إقليم دارفور بعد رحيل الإنجليز دانت للدولة المهدية، وبقيت مستقلة كفترة انتقالية تحت حكم السلطان علي دينار.

هذا الإقليم تتنازعه القبائل العربية الأصل مع القبائل الأفريقية الناطقة بالعربية، وقبائل أخرى. ويضم الإقليم أكبر مواقع لتعدين الذهب في السودان، وهي من أسباب أهمية هذا الإقليم المتنازع عليه، مناجم سنقو في دارفور، حيث الذهب يؤجج الصراع والحرب بين قوات حميدتي وقوات البرهان، ففي الصراع الحالي في السودان، يعد الذهب هدفاً رئيساً للمتحاربين بعد انفصال جنوب السودان وفقدان أكثر من ثلثي النفط، بدأ السودان في مضاعفة إنتاجه من الذهب والاعتماد عليه في محاولة لتعويض النفط بالذهب في الاقتصاد السوداني، إذ فقد السودان نحو 70 في المائة من احتياطي النفط، رغم أن الذهب السوداني يُهرب إلى الخارج، دون أن يستخدم في التنمية وإعادة الإعمار، أو حتى إطعام جوعى السودان وكسوتهم.

ولكن انفصال واستقلال دارفور عما تبقى من دولة السودان، سيجعلان هذا الإقليم يخسر الكثير، ومن ذلك منفذ البحر، والحرمان من الجامعات التي أغلبها في الخرطوم، وسيواجه التفكك وصراعاً آخر بين القوميات المختلفة في داخله، ما سيجعله إقليماً دائم الاضطراب حتى ولو كان غنياً بالذهب والمعادن. وبالتأكيد ستنتظر الأطراف الخارجية من سوف يسيطر على دارفور للتفاوض معه على استخراج المعادن والذهب والنفط، بالشراكة وحتى المغالبة بنسب تتجاوز الشراكة، ما سيجعل أصحاب الثروات والذهب والمعادن من أهل دارفور، مجردَ خفراء على مناجم الذهب والمعادن، وعوائدها تذهب لبنوك الشركات الأجنبية.

لبقاء السودان موحداً فهو في حاجة ماسة لإيقاف الحرب الضروس، قبل تفتيته وتفككه إلى دويلات صغيرة، ولهذا يبقى منبر جدة فرصة الحل الحقيقية القابلة لإنتاج حل واقعي للأزمة السودانية.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة السودان حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon