وللإرهاب متحف

وللإرهاب متحف

وللإرهاب متحف

 لبنان اليوم -

وللإرهاب متحف

بقلم: إنعام كجه جي

في خريفِ العام الماضي، اتَّخذتِ الحكومةُ الفرنسيةُ قراراً بوقفِ مشروع تشييد متحف للإرهاب في باريس. وفي مطلعِ العام الحالي عادَ الرئيس إيمانويل ماكرون وعبَّر عن رغبته في استكمال المشروع. لكنَّ التمويلَ ما زالَ متعثراً. لقد خصَّصُوا له موقعاً في منطقة سورسين، في محيط العاصمة؛ حيث يقع بناءٌ لمدرسةٍ كانت قد تأسّست في ثلاثينات القرن الماضي للتلاميذ المحتاجينَ إلى رعايةٍ خاصة. مساحته تبلغُ سبعة آلافِ متر مربعٍ في الطبيعة الخضراء، معزولٌ عمَّا يجاورها، يحتلها اليومَ معهدٌ للتأهيل والتدريب.

كيف يمكن لهذا الفضاء الوادعِ الفسيح أن يحتضنَ متحفاً تذكارياً للإرهاب والتفخيخ والقتل والطعنات والتفجيرات وخطفِ الطائرات وكل ما من شأنه ترويع الأبرياء؟ وُلدت الفكرةُ بعد سلسلة الاعتداءات التي وقعت في فرنسا قبل عشر سنوات، ومنها مقتلة مجلة «شارلي».

يقول أصحاب المشروع إنَّ الهدف هو توجيهُ نوعٍ من التكريم، أو التحية، أو إبداء التعاطفِ مع المتضررين من هذا النوع من العمليات، لا في فرنسا فحسب بل في العالم. إنَّهم بعشرات الآلاف منذ السبعينات. وهو لن يكتفيَ بالتعاطف الشكليّ، وسيكون متحفاً للتاريخ وللمجتمع، يعتمد في محتوياته على التوثيق والتوعية والتثقيف. وهو يأتي بعد تخصيص يومٍ عالمي لضحايا الإرهاب. هناك رغبة للفهم ولتفكيك شيفرات العنفِ الحربي في زمن السلم، مهما كانت الذرائع.

يبقى هذا النوعُ من المتاحف مثيراً للتلصص وللغرائز. وعلى هذه الشاكلة هناك اليوم متحفٌ فرنسي للتعذيب، وآخرُ للمشانق والمقاصل والكراسي الكهربائية وكل وسائل تنفيذ أحكام الإعدام عبر التاريخ. وفي السياق ذاتِه يمكن إدراج متحف الجاسوسية في واشنطن، وملاهي الرعب في لندن، وبرج الجماجمِ السابق في جربة. تتملَّك الإنسانَ رغباتٌ خفية في استكناه كلّ ما له علاقة بالخطر وبالموت. وقد أسهمتِ السينما في إذكاء هذه الرغبات، ولحقت بها ألعابُ الفيديو.

مَن يستطيع إحصاء المليارات ممَّا أنفقته الدولُ وتنفقه على مواجهة الإرهاب؟ فمنذ ظهورِ موجة العملياتِ الأولى صرنا نشهد حواجزَ أسمنتيةً في الطرقات، وجدراناً عازلة ونقاطَ تفتيش عند مداخل الدوائر الحكوميةِ والمحاكم والفنادق وصالات العروض الفنية. وهناكَ بوابات إلكترونية، وأفرادُ أمن، وكلابٌ مدرَّبة، وكاشفاتُ العبوات المتفجرة، وصافرات الإنذار. تسافر وفي ساقك ركبةٌ صناعيةٌ أو شيش معدنيٌّ لتقويمِ كسرٍ في العظم، فيصفر الجهازُ ويعترضك المفتشون وكأنَّك متَّهمٌ خارجٌ على القانون ولستَ مريضاً.

اليوم، يقف طلابُ المدارس الثانوية لتفتيش حقائبهم في فرنسا والولايات المتحدة. لقد تكرَّرت حوادثُ إطلاقِ النار عشوائياً أو طعن المعلمِ أو رفيق الدراسة. هناك عنفٌ مجانيّ مستفحل، ولا أحدَ في مأمن على أولاده أو على نفسه، ولا يدري من أين ستأتيهِ الكارثة. وحتى الأطباقُ المُسيَّرة «الدرون» التي كانت تُباع في متاجرِ لعب الأولادِ باتت بضاعةً مشبوهة ومحظورة. ومع كلّ هذا التَّوحشِ الفردي يبقى إرهابُ الدول أشدَّ مضاضةً، على حدّ قول الشاعر، «من وقْعِ الحُسامِ المُهَنّدِ».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وللإرهاب متحف وللإرهاب متحف



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon