غزة إذ تنهض وترقص

غزة إذ تنهض وترقص

غزة إذ تنهض وترقص

 لبنان اليوم -

غزة إذ تنهض وترقص

بقلم: إنعام كجه جي

مثلما حمل جياع غزة فوق ظهورهم شوالات الطحين الثقيلة عائدين إلى خيامهم، حمل صياد مجهول الاسم جثة شابة مجهولة الاسم على كاهله وسار بها نحو أقرب بقعة مأهولة على الشاطئ. كانت ممددة هناك على بحر غزة مع عشرات الجثث التي لفظتها الأمواج. جسّ نبضها وأبى أن يصدّق أنها ميتة. يتصوّر لوهلة أن يدها تقبض على كاحله. لا بد أنها عطشى. سيسقيها ماء فيعود لها النَفَس.


هذا مشهد من فيلم «غزّة برايد 17» الذي بدأ عرضه حالياً. وفيه يقدّم المخرج الفلسطيني وسيم خير قصيدة بَصَريّة سوريالية مدتها 20 دقيقة، تم تصويرها قبل الحرب الأخيرة. يبدأ الفيلم المهدى إلى: «كل هؤلاء غير المرئيين» بلقطة بانورامية للمدينة التي كانت مكتظة بالحياة قبل أن تتحول إلى ركام. ولأن كل شيء هناك ما عاد يشبه شيئاً، ولأن الرشد بات قاصراً عن استيعاب المجزرة، فإن الجثث لم تبدأ مع تاريخ الحرب الأخيرة، بل كانت تتراصف مع كل طلعة شمس.

قام بدور الصياد الممثل القدير صالح بكري. ابن الفنان محمد بكري. فهل هو دور يقوم على الفانتازيا؟ لا أتصور أن فناناً يستطيع النظر بعين العقل إلى ما جرى ويجري على التراب الفلسطيني. نرى الصياد طويلاً نحيلاً مثل رمح، يقف عاجزاً تارة بلا حول ولا قوة، أو ينقلب مارداً زائغ العينين ككائن هبط من الفضاء. يحاول إنعاش الفتاة ويجرجرها فوق الأرض الملحاء إلى تلّة معشبة. تنفد قواه ويتوجّه إلى الكاميرا بنظرة استفهام وعتب. الضحية ساكنة مثل ملاك. شعرها طويل أسود وقميصها بلون السماء. يخيّم الليل فيضعها تحت شجرة ويكنس الوريقات الميتة من حولها. تهبّ ريح فيرقد بجوارها يحاول تدفئتها.

يغفو فتتداخل في رأسه صورتها مع ملامح ولده المراهق «ورد». كان معه في رحلة صيد حين قنصه جندي إسرائيلي. رصاصة واحدة واختفى الولد من القارب. و«ورد» هو الاسم الوحيد الصريح في الفيلم. وسواء شهيداً كان أم غريقاً فإنه يبقى مثل كل أولئك الفتية الذين نمشي في جنازاتهم بأعين دامعة، كل يوم، ونحن مرتاحون أمام شاشاتنا.

يصحو الصياد من حلمه. يزيح الوحل عن وجه الفتاة. يضع أذنه على صدرها أملاً بسماع نأمة. يعثر في جيب القميص على بطاقة هويتها. الصورة تهتكت بفعل المياه. يبدو له أنها صورة «ورد». يعاود حملها ويغذّ السير. لا حوارات في الفيلم سوى أصوات الطبيعة وتكسّر الأوراق الجافة تحت خطواته. تزلّ قدمه ويتداعى فتفتح الجثة عينيها. يرفع ذراعه فترفع ذراعها. يرقص فترقص. تنهض الجثة من مواتها وتستطيل قامتها. تتحول حورية خلبيّة تشارك الصياد رقصة كنعانية من التراث الفلسطيني، يخرج فيها الحي من الميّت وتلعب فيها المخيلة أجمل ألاعيبها.

الفيلم سبق جريمة القرن. فهل يهجس بأمل آتٍ؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة إذ تنهض وترقص غزة إذ تنهض وترقص



GMT 18:25 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نهاية حزينة لشارع الحمرا…

GMT 18:24 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

القلعة الجوفاء: بعدما هدأ غبار الهجوم على إيران

GMT 18:23 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أيضاً

GMT 18:22 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الحدود ومواعيد نتنياهو

GMT 18:21 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

هل «الموديل» الغربي مُقدّس؟

GMT 18:19 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 18:16 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 18:15 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

لبنان وغزة... إدارة النزاع بدل إنهائه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 16:44 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن تحييد "عنصرين" في "حزب الله" اللبناني
 لبنان اليوم - الجيش الإسرائيلي يعلن تحييد "عنصرين" في "حزب الله" اللبناني

GMT 17:29 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

إهمال صحة اللثة قد يُزيد خطر أمراض القلب والسكتات الدماغية
 لبنان اليوم - إهمال صحة اللثة قد يُزيد خطر أمراض القلب والسكتات الدماغية
 لبنان اليوم - تسلا تواجه انتقادات بعد وفيات ناجمة عن أعطال أبواب السيارات

GMT 17:50 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية
 لبنان اليوم - نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية

GMT 15:01 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

سندس القطان بإطلالات مقلمة ناعمة ورائعة على انستقرام

GMT 17:43 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

لاعب كونغولي يخطف الأنظار في مونديال اليد

GMT 01:35 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

وفاة 4 لاعبين ورئيس ناد بطريقة مأساوية في البرازيل

GMT 17:45 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تنشر مشاهد لجمال لبنان وتعلق"خلينا ما بقى نسكت"

GMT 02:55 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

7 حيل تجعل عطركِ يدوم طويلًا مهما كان نوعه

GMT 01:56 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

النساء يحقّقن اختراقات في انتخابات الكونغرس الأميركي

GMT 15:26 2020 الثلاثاء ,01 أيلول / سبتمبر

مقتل 3 أطفال وإصابة 4 بانفجار قارورة غاز في الهرمل

GMT 14:02 2019 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

قصة جديدة لفئة اليافعين بعنوان "لغز في المدينة"

GMT 18:16 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

أناقة زين مالك بعد أنفصاله عن جيجي حديد

GMT 14:09 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

رائدة ناسا "كيت روبينز" تحصد الفجل المزروع في الفضاء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon