بدور نسجت تاريخها

بدور نسجت تاريخها

بدور نسجت تاريخها

 لبنان اليوم -

بدور نسجت تاريخها

بقلم: إنعام كجه جي

«هذا الوجود ليس لي وحدي. إنه ميراث أسلافي الذين خطّوا هذا الدرب من قبل. وها هم الآن ينادونني لأتذكرهم. لأجمع حكمتهم ومعرفتهم وأحملها شعلة متقدة أسلّمها إلى أجيال لم تولد بعد». هذا ما تخبرنا به بدور القاسمي في تمهيدها لكتابها الصادر حديثاً بعنوان: «أخبروهم أنها هنا». وهناك عنوان أصغر هو «بحثاً عن ملكة مليحة». ومليحة مملكة عتيقة تقع إلى الجنوب من الشارقة، جمعت بعثات التنقيب وغيرهم من المولعين بالآثار.

اعتدت التعامل بحذر مع الكتب والدواوين والروايات التي يؤلفها أشخاص يحملون ألقاباً عالية. أقول لنفسي إنهم يملكون إمكانيات لا تتاح لمؤلف من العامة. لكنني سمعت بدور القاسمي تتحاور في واحد من المؤتمرات العالمية وأمتعني حديثها. درست الآثار في كامبردج وتخصصت في الأنثروبولوجيا. تخبرنا أنها تلقّت في بيت عائلتها ما لا تعلّمه الجامعات.

كانت في كلباء، قرية الصيد القريبة من الشارقة، حين نبعت في رأسها فكرة الكتاب. رأت قبراً مفتوحاً على تلّة وتخيّلت أنه لملكة من سومر. سمعت صوتها يناديها: «أخبريهم أنني هنا». تسلحّت الباحثة الشابة بفريق طاف معها المنطقة. عيسى يوسف مدير هيئة آثار الشارقة، وعالم الطبيعة المتمرّس أجمل حسن. رحلة تبعتها رحلات ودأب عجيب. وكانت النتيجة نصاً كأنه من الواقعية السحرية.

زارت المؤلفة بقاعاً قصية شرقاً وغرباً. ارتقت جبالاً ودخلت أهراماً وانضمّت إلى خلوات روحية وصادقت أجناساً من البشر. عادت تتوغل في صحاري موطنها، تُسائل ما فات وتستنطق كل ذرة رمل. تربط بين ما شاهدته لدى الحضارات الأخرى، وماضٍ رافدَينيّ وعربي عريق. تنقل دهشتها لقارئها وكأنه رفيق الرحلة. تفرش له المعارف العلمية والفلسفية على بساط من الشغف. تمسك بالتأريخ المتحجر وتصوغه شعراً. كتاب يُقرأ مثل رواية شيقة، كل صفحة فيه ثمرة سنوات من الاطلاع والتأمل.

بحثها عن ملكة مليحة أخذها إلى الممالك النسائية في الجزيرة العربية. بلقيس وزنوبيا وماويّة وأروى. هؤلاء نعرفهن. فهل عرفنا نساء دومة الجندل ولميس بنت نوف؟ أسماء بعضهن محفورة على النقود المجلوّة من غبار الأزمنة. ويوم تسلقت الكاتبة جبل كليمنجارو الشاهق في أفريقيا كادت عزيمتها أن تخذلها. الاسم يعني باللغة السواحيلية «جبل الشموخ». تجمدت من البرد في خيمتها وعاشت لحظات تصفها بأنها أذلّت كبرياءها وفتحت قلبها. خرجت بحكمة تقول: «كلما خفّ حمل المرء علت خطاه». حفريات تقود إلى سبر أغوار الروح ووشائج الهوية.

تستوقفني مقدمة الكتاب التي تتحدث عن نساء تصفهن بأنهن «ناسجات العالم». وأنا ضعيفة أمام كل ما يتعلق بالنسيج، حرفة وحروفاً. حملت طوال عمري اسماً عائلياً صعب النطق ويثير التساؤل. يسألونني ما معنى لقبي وأجيب بأنه صفة مهنة، تُطلق على المشتغل بنسج خيوط «الكجة» الخشنة. ما يشبه اللباد. أشعر، عند الاشتغال على رواياتي، أنني أنسج الحكاية مهتدية بصنعة الأجداد.

نقرأ في كتاب بدور القاسمي أن النسج ليس مجرد عمل منزليّ قليل الشأن بل هو فن الإبداع المقدس. وفي كثير من الثقافات القديمة أوكلت مهمة النسج للنساء بدافع الإجلال. ما أجمل قولها: «إن النساء، منذ الأزل، هن حافظات الأنوال اللواتي يغزلن الحياة بأناملهن، وأنفاسهن، وأرحامهن».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بدور نسجت تاريخها بدور نسجت تاريخها



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon