وَأَحْسَنُ أخْلاقِ الرّجَالِ التَّفَضُّلُ

وَأَحْسَنُ أخْلاقِ الرّجَالِ التَّفَضُّلُ

وَأَحْسَنُ أخْلاقِ الرّجَالِ التَّفَضُّلُ

 لبنان اليوم -

وَأَحْسَنُ أخْلاقِ الرّجَالِ التَّفَضُّلُ

بقلم:تركي الدخيل

قَالَ أَبُو مَنْصُورِ الثَّعَالِبِي:

عَليُّ بنُ الجَهْم فِي الْمُحدَثِينَ كَالنَّابِغَةِ فِي الْمُتَقَدِّمينَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّابِغَةَ شَبَّهَ النُّعْمَانَ مرّةً بِاللَّيْلِ وَمرَّةً بِالشَّمْسِ، وَشَبَّهَ عَليُّ نَفسَهُ بِالسَّيْفِ المُغْمَدِ، وَمِنْ عَجِيبِ شِعرِهِ فِي الْجَوْدَةِ وَالبَرَاعَةِ، قَولُهُ:

هِيَ النَّفْسُ مَا حَمَّلْتَهَا تَتَحَمَّلُ وَلِـلـدَّهْـرِ أَيَّـامٌ تَـجُـوْرُ وَتَــعْــــدِلُ

وَعَاقِبَةُ الصَّبْرِ الجَمِيلِ جَمِيلَةٌ وَأحْسَنُ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ التَّفَضُّلُ

وَلَا عَارَ إنْ زَالَتْ عَنْ الْحُرِّ نِعْمَةٌ وَلَكِنَّ عَاراً أَنْ يَزُولَ التَّجَمُّلُ

وَالبَيْتُ الأوَّلُ يُشبهُ مَعنَاهُ قَوْلَ أبِي ذُؤَيبِ الهُذَلِي:

وَالنَّـفْـسُ رَاغِـبَـةٌ إِذَا رَغَّـبْـتَـهَا وَإِذَا تُــرَدُّ إِلَـى قَـلِيـلٍ تَـقْـنَـعُ

أمَّا الوَزيرُ المُهَلَّبِي، وَقِيلَ: عَبدُ اللهِ بنُ المُعتز، فَقدْ تَجَاوَزَ الحَديثَ عَنِ النَّفسِ إلَى الحَدِيثِ مَعَهَا، فَقَالَ لَهَا مُحَذِّراً:

يَا نَفْسُ صَبْراً وَإِلَّا فَاهْلَكِي جَزَعًا إِنَّ الزَّمَانَ عَلَى مَا تَكْرَهِيْنَ بُنِي

يُخَاطِبُ الشَّاعِرُ نَفسَهُ مُستَنِدًا إلى المَنْطِقِ، فَيُخْبِرُهَا أَنَّ أمامَهَا خَيَارَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، فَإمَّا أنْ تَصْبِرَ عَلَى نَوائِبِ الدَّهْرِ، وإلَّا فَلْيَهْنَهَا (الجَزَعُ)، إذْ هُوَ الخيَارُ الثَّانِي وَالأخيرُ، فاخْتارِي مَا يَرُوقَكِ يَا نَفْسِي، مَعَ ضَرُورَةِ أَخْذِكِ فِي الاعْتِبَارِ أنَّ الأصْلَ فِي الحَوَادِثِ مَا تَكْرَهِينَ لَا مَا تُحِبّينَ.

فِي هَذَا البَيْتِ يَنْتَهِجُ الشَّاعِرُ فِي حَدِيثِهِ مَعَ نَفْسِهِ، الخيَارَ الثَّانِيَ مِنْ خِيَارَاتِ بَيْتِ الهُذَلِيّ:

وَإِذَا تُــرَدُّ إِلَـى قَـلِيـلٍ تَـقْـنَـعُ

فكأَنَّهُ بأسلوبِ الحَزمِ وَالحَسْمِ، ينتظرُ منهَا أن تَقنعَ، إذ يَرُدُّهَا بالتَّحذيرِ وَالتَّنذِيرِ إلَى القَليلِ.

وَهيَ فِكرةُ عَليّ بنِ الجَهْم نفسُهَا، في بيتِه، إذ يقولُ إنَّ النَّفسَ قادرةٌ علَى الاحتمالِ، قابلةٌ للتَّحمُّلِ، إذَا عاملتَها بهذَا الاتّجاهِ، وإِيَّاكَ أن تنتظرَ مِنْ نَفسِك تَحمُّلاً إذا أنتَ لم توالِ تحميلَها، مرةً إثرَ أخرَى.

وَنحوُهُ قولُ عَمْرُو بنُ مَالِكٍ الْحَارِثيّ :

والْنّفسُ لَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ حِيزَ لَهَا

مَا كَانَ إِنْ هِيَ لَم تَقْنَعُ بِكَافِيْهَا

أي أنَّ النَّفسَ إذا لم تُعَوَّد علَى القناعَةِ،

فَلنْ يُرضِيَهَا شيءٌ وَلوْ مَلَكَتِ الدُّنْيَا كُلَّهَا.

وَفِي قولِ عَلِيّ بنِ الجَهْم:

وَأحْسَنُ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ التَّفَضُّلُ

أَجملُ مَا يُمكنُ أنْ يشرحَ بهِ عَجز البَيْتِ، بيان ضِدِّهِ، الذي جاءَ في بيتِ عَمرو بنِ الأهتَمِ التَّميمي، القَائل:

لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلاَدٌ بِأَهْلِهَا

وَلَكِنَّ أَخْلاَقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ

ولابنِ الرُّومِيّ قولُه:

سَلَبَتهُ الـخُطُوبُ مَا فِـي يَدَيهِ وَلَــهُ مِــنْ تَــجَــمُّـلٍ أَثــوَابُ

وإذَا الصَّبْـرُ وَالتَّـجَـمُّـلُ دَامَـا لِلفَتَى الحُرِّ هَانَتِ الأسْبَابُ

في كتاب «أُنس المسجون وراحة المحزون»، لِصَفِيّ الدّين الحَلَبِي:

«قيل: يتعَزَّى العاقلُ فيمَا ينزلُ به من المكروهٍ بأمرينِ:

الأول: السُّرورُ بما يبقَى له من الأجر.

والآخرُ: رجاءُ الفَرج.

وَيجزَعُ الجَاهِلُ فيمَا ينزلُ به. لأَمرينِ:

خوفُ الشَّماتةِ، وَضِيقُ الحَال.

وَيخافُ التَّقِيُّ فيمَا ينزلُ به، بأمرينِ:

الأوَّلُ: فِي مُصِيبةِ استكبَارهِ ما أتَى بِه.

وَالآخرُ: خَوفُ مَا هوَ أشدُّ منه.

وَقِيلَ: لِلمِحنِ أَوقَاتٌ، وَلأوقَاتِهَا غَايَات».

وَالشَّاعِرُ العَبَّاسِيُّ، عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، هُوَ «أَبُو الحَسن، من بنِي سَامة، من لؤيِّ بنِ غَالب: شاعرٌ، رقيقُ الشّعر، أديبٌ، من أَهلِ بَغدادَ.

كانَ مُعاصراً لأبِي تَمَّام، وخُصَّ بالمُتَوَكَّلِ العَباسِي. ثمَّ غَضِبَ عليهِ المُتوكّلُ، فنفاهُ إلَى خُراسَانَ، فأقامَ مُدَّة. وانتقلَ إلَى حَلَب، ثمَّ خَرجَ منهَا بِجماعَةٍ يُريدُ الغَزوَ، فاعْتَرَضَهُ فُرسَانٌ مِنْ بَنِي كَلْب، فَقَاتَلَهُمْ، وَجُرِحَ وَمَاتَ مِنْ جِرَاحِه» (ت249هـ=863م). وفقًا للزّركَلي فِي «الأعلام».

قَالَ ابنُ المُعتَز فِي «طبقات الشعراء»، عَنْ علِي بنِ الجَهْم:

«حَكَمُوا لَهُ بِأَنَّهُ أَشْعَرُ النَّاسِ،

فَأَذْعنَتْ لَهُ الشُّعَرَاءُ وَهَابَتْهُ الأُمَرَاء».

وَوَصَفَهُ المَزربَانِي فِي «معجم الشعراء»، بأنَّهُ «شَاعِرٌ مَطْبُوعٌ، عَذْبُ الأَلفَاظِ، سَهْلُ الكَلَامِ، مُقْتَدِرٌ عَلَى الشّعْرِ... وَمَدَحَ عَلِيٌّ المُعتَصِمَ والوَاثقَ، وجَالَسَ المُتَوَكِّلَ».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وَأَحْسَنُ أخْلاقِ الرّجَالِ التَّفَضُّلُ وَأَحْسَنُ أخْلاقِ الرّجَالِ التَّفَضُّلُ



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon