ماذا عن حيادية القضاء في الغرب

ماذا عن حيادية القضاء في الغرب؟

ماذا عن حيادية القضاء في الغرب؟

 لبنان اليوم -

ماذا عن حيادية القضاء في الغرب

بقلم:جمعة بوكليب

«ما طارَ طيرٌ وارتفَع، إلا كما طارَ وقَع»؛ هذا المَثل العربي يختلف المفسرون حوله، في تفسير معنى الوقوع. البعض يفسِّره بأن الطيور مهما قضت من وقت محلِّقة في الفضاء، فإنها لا بد من أن تعود إلى الأرض. وآخرون يفسِّرون الوقوع بالسقوط. ولذلك السبب، يلجأ عديدون إلى استخدام المَثل في قضايا تتعلق بشخصيات سياسية، برزت سريعاً على المسرح ثم تهاوت ساقطة: إما بفضيحة سياسية أو أخلاقية، وإما بتهم فساد. وفي العادة، يكون القضاء حَكَماً في تلك القضايا، على اعتبار أنَّه جهة مستقلة تلتزم تطبيق القانون على الجميع، وبحياد.

لعل المتابعين لقضية إدانة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي قضائياً، وحبسه مؤخراً، لاحظوا عودة المَثل المذكور أعلاه إلى الظهور، والاستخدام بكثرة من قبل عديد من المعلقين الإعلاميين؛ خصوصاً منهم مَن يقفون على الضفة السياسية المقابلة للسيد ساركوزي، من باب الشماتة لا غير.

يختلف المعلقون والمحللون السياسيون في تحليل وتفسير واقعة إدانة القضاء الفرنسي للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي، والحكم بسجنه مدة خمس سنوات، بتهمة سعيه للحصول على أموال من ليبيا في فترة حكم العقيد معمر القذافي، لتمويل حملته الانتخابية الرئاسية في عام 2007. ورغم أن الرئيس الأسبق ساركوزي نفى التهمة، ناسباً دوافعها لأسباب سياسية، فإن الحكم القضائي دخل حيز التنفيذ، وأُودع ساركوزي السجن يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبقي هناك مدة أقل من ثلاثة أسابيع، وأفرج عنه يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. اللافت للاهتمام أن السيد ساركوزي أُودعَ السجن بعد صدور الحكم مباشرة، وليس بعد النظر في الطعن والاستئناف في الحكم؛ الأمر الذي يثير علامات استفهام حول حيادية القضاء. كما تجدر الإشارة إلى أن القضاء أصدر في أوقات سابقة أحكاماً بالإدانة ضده في قضايا فساد أخرى، وقضى فترة عقوبة قصيرة في الإقامة الجبرية ببيته.

لا أحد يعرف على وجه التحديد المدة الزمنية التي تستغرقها العملية القضائية لإصدار حكم نهائي في القضية، ولكنها بالتأكيد سوف تستنفد وقت الرئيس الأسبق ساركوزي وجهده وماله.

ثمة سؤال يتطرق إلى استقلالية وحيادية القضاء في دول الغرب، يستلزم التوقف عنده. الرئيس الأسبق ساركوزي صرَّح بأن جهاز النيابة الفرنسية يقوده يساريون مناوئون، وهم من كانوا وراء الدفع بالقضية وفبركتها. وللقضية جانب آخر، وهو ادعاء شخصيات ليبية من نظام العقيد القذافي تسليم مبلغ مالي يقدر بقيمة 60 مليون يورو إلى المشرفين على الحملة الانتخابية للرئيس الأسبق ساركوزي. الادعاء الأخير لا يخلو هو أيضاً من عنصرَي الكيدية والشك، كونه ظهر في فترة كان نظام العقيد القذافي فيها مهدداً بالسقوط، وكان الرئيس الأسبق ساركوزي على رأس الساعين لإسقاطه؛ آخذين في الاعتبار كذلك أن الشخصيات الليبية التي صرَّحت بذلك مطلوبة محلياً ودولياً لجهات قضائية باتهامات عدة. وكل ذلك -على وجاهته- لا ينفي صحة ادعاءاتهم.

التورط من دون أدلة وبراهين في إصدار أحكام -سواء بالإدانة أو بالبراءة- مخاطرة يحسُن بالمرء الابتعاد عنها، لتعقُّد القضية وتشابكها، وعدم خلوها من الدوافع السياسية على المستويين الفرنسي والليبي. هذا أولاً.

وثانياً، فإن القول باستقلالية أجهزة القضاء في الدول الغربية لا يخلو من مخاطرة كذلك، مما يحتم التعامل معه بحذر؛ لأن الأجهزة القضائية في تلك البلدان مهما بدت على السطح حيادية، فإنها -كما ثبت- ليست حيادية تماماً. وعلى سبيل المثال، تمكن الرئيس ترمب من تشكيل أعلى هيئة قضائية أميركية على هواه السياسي، بشكل زرع الشك في استقلاليتها وحياديتها. أضف إلى ذلك أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لجأت إلى استخدام القضاء في تشويه سمعة الرئيس ترمب بعد خروجه من السلطة عام 2020، بهدف حرقه سياسياً، وإغلاق الطرق أمامه للعودة إلى الترشح للرئاسة. ولاحظنا مؤخراً كيف لجأ الرئيس ترمب بعد عودته إلى البيت الأبيض إلى تحويل وزارة العدل والأجهزة الأمنية السرية إلى سلاح ضد خصومه السياسيين، من خلال إعداد صحائف اتهام، ورفع دعاوى ضدهم، وتقديمهم للقضاء. آخرهم كان مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون.

وفي قضايا كهذه، يتطلب من المعلقين والمحللين السياسيين والإعلاميين توخِّي الحذر، وعدم التعجل في إصدار أحكام من دون توفر أدلة وبراهين.

لكن الحذر -في الوقت ذاته- يجب ألا يحُول بين المراقبين وبين تأسيس أحكامهم الخاصة على ما يجري على المسرح السياسي؛ إذ عليهم تقع مسؤولية المساهمة بتحليلاتهم في القضايا السياسية. وهم بذلك كمن يسير على حافة جرف ومهدد بالسقوط من الجانبين في هاوية. التأكيد على استقلالية القضاء في دول الغرب وحياديته لا يحول بيننا وبين القول بأن تلك الاستقلالية ليست ناصعة البياض كما يُزعَم، وهذا ليس دفاعاً عن الرئيس الأسبق ساركوزي، ولا اتهاماً لمن حققوا في القضية أو لمن شهدوا ضده، أو لمن أصدروا الحكم. والسبب أن طبيعة القضايا السياسية المرفوعة أمام القضاء تتَّسم بتعقيد وتشابك؛ كونها ذات صلة وثيقة بالصراع على السلطة، وكذلك لشدَّة ارتباطها بمصالح فئات اجتماعية متنافسة في المجتمع.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا عن حيادية القضاء في الغرب ماذا عن حيادية القضاء في الغرب



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon