ليبيا ضحايا معلومون وقتلةٌ مجهولون

ليبيا: ضحايا معلومون... وقتلةٌ مجهولون

ليبيا: ضحايا معلومون... وقتلةٌ مجهولون

 لبنان اليوم -

ليبيا ضحايا معلومون وقتلةٌ مجهولون

بقلم:جمعة بوكليب

الحكاياتُ نوعان: خيالية وواقعية. حكايات «ألف ليلة وليلة» أفضل مثال على النوع الخيالي. في تلك السلسلة، محكمة الترابط من الحكايات المتتالية لمدة ألف ليلة وليلة، ينسى الملك شهريار أمر قتل زوجه شهرزاد؛ لأن حكاياتها استحوذت على خياله وحرّكت فضوله، فكان يذهب إلى النوم فجر كل يوم مشدوداً إلى معرفة النهاية المحتملة لها في الليلة التالية.

بعد مرور قرون عدة، يأتي قارئ في بلد ما، ويبدأ في قراءة حكايات شهرزاد، فتستغرقه حتى ينقطع عما وعمَّن حوله. وفي زخم القراءة، يحدث له ما حدث قبله للملك شهريار، بأن ينسى أمر قتل شهرزاد أيضاً.

شهرزاد كانت الوحيدة التي لم تنسَ أمر القتل. وهذا ما جعلها تختلق الحكاية تلو الأخرى لتنجو بحياتها. الخيال كان حبل النجاة من الموت، وجعل شهريار يؤجل القتل، ثم يعفو.

الحكايات الواقعية تختلف قليلاً من حيث الإمتاع عن نظيراتها الخيالية، ليس لقصور في زخم وقائع الحياة اليومية وغرائبها، بل ربما نتيجة ما يحدث في ذلك الواقع من أمور تفوق الخيال وليست باعثة على المسرة. هل سمعتم مثلاً بحكاية رجل مخمور في مقبرة وجدته الشرطة ينفخ في بوق لإيقاظ الموتى معلناً بدء يوم القيامة؟

ما يحدث في ليبيا من غرائب وفظاعات على الصعيد اليومي يفوق في مناحٍ كثيرة إبداعات نافخ البوق المحزنة أعلاه. وعلى سبيل المثال، كيف مثلاً لحكومة معترف بها من الأسرة الدولية، يتعرض سبعة من وزرائها للاعتقال والسجن بتهمة نهب المال العام وتستمر في أداء مهامها، ولا يبادر رئيسها بتقديم استقالته، متصرفاً وكأنه لا علاقة له بها؟ أو كيف مثلاً يتم من خلال مكتب النائب العام في طرابلس اعتقال وسجن مسؤول حكومي كبير، أو مدير مصرف أو مؤسسة مالية، بتهمة السرقة والاحتيال، بمعدل واحد كل عشر ساعات تقريباً، من دون أن يخرج الناس إلى الشوارع متظاهرين تعبيراً عن سخطهم وإسقاط الحكومة؟ الغريب، أن النساء الليبيات ممن يعملن في القطاع المصرفي أثبتن جدارة في السرقة تفوق شطارة زملائهن الرجال. إحداهن أُعتقلت مؤخراً بتهمة «لهط» 13 مليون دينار ليبي.لكن حكايات سرقة المصارف أو نهب الميزانية المخصصة لطباعة الكتاب المدرسي لهذا العام الدراسي من قبل وزير التعليم وشركائه شيء، وحكايات الخطف والتعذيب والقتل شيء آخر. في نهاية الأسبوع الماضي في طرابلس، وفي وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من الناس، قام أشخاص مسلحون في سيارة قيل إنها تتبع جهة أمنية معروفة بمطاردة سيارة مدنية تقودها امرأة، فأردوها قتيلة ولاذ مرتكبو الجريمة بالفرار.

تبيّن فيما بعد، حسبما قيل، أن المستهدَف كان زوجها، وكان عضواً عن مدينة الزاوية غرب طرابلس، في لجنة الحوار التي انتخبت رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة في جنيف منذ خمس سنوات مضت. وبناءً على شهادات شهود عيان، فإن القتيلة حاولت الهروب بتوقيف السيارة في عرض الشارع العام وفتح الباب والركض، لكن الطلقات لاحقتها، وأصابتها واحدة في رأسها. وهذا يعني أنها هي المقصودة وليس زوجها كما قيل. المرأة، حسبما تبين، نشطة في مواقع الإنترنت ومعروفة. ولو كان المقصود زوجها لما سارع المجرمون بقتلها لدى تبين الحقيقة لهم.

شهرزاد كانت تعرف مسبقاً، قبل دخولها القصر الملكي، أن الملك شهريار عازم على قتلها كما فعل بمن سبقنها من زوجات، لذلك السبب دبّرت أمر اختلاق الحكايات. وفي فجر كل يوم تتوقف، لكي يهجع الملك إلى فراشه، بينما هي تبدأ في غزل ونسج وحياكة حكايات جديدة. الأمر الذي لم يُتح للمرأة القتيلة في طرابلس. ولم يُتح لغيرها من النساء والرجال الذين تعرضوا للاغتيال في مدن ليبية عدة، في الشرق والغرب والجنوب.

النهايات هي ما توضح الفرق بين حكايات شهرزاد الخيالية وحكايات الواقع الليبي المرعبة. ذلك أن حكايات شهرزاد الخيالية انتهت بالخلاص والحياة، بينما حكاياتنا الواقعية في ليبيا، على الرغم من توثيقها، تظل مفتوحة على ألم لا ينتهي.

نجحت شهرزاد باستخدام الخيال في تأجيل الموت، ثم إلغائه، أما نحن فنسجل وقائع موتانا الحقيقيين كل يوم ضد «مجهول» معلوم للجميع، في مأمن من العقاب، يمارس سلطانه في وضح النهار، ليس برواية حكايات خيالية تروى في ساعات الليل، في انتظار الفجر لتتوقف، بل ببنادق محشوة بالطلقات مسحوبة الأقسام لا تنتظر سوى الضحية التالية، من دون إبداء اعتبار للزمان والمكان.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ضحايا معلومون وقتلةٌ مجهولون ليبيا ضحايا معلومون وقتلةٌ مجهولون



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon