أوكرانيا وروسيا ملامح مرحلة جديدة في الحرب

أوكرانيا وروسيا... ملامح مرحلة جديدة في الحرب

أوكرانيا وروسيا... ملامح مرحلة جديدة في الحرب

 لبنان اليوم -

أوكرانيا وروسيا ملامح مرحلة جديدة في الحرب

بقلم:هدى الحسيني

تتجه الأنظار هذا الأسبوع في واشنطن إلى محادثات حاسمة بين وفد أوكراني رفيع المستوى ومسؤولين في الإدارة الأميركية، يُنتظر أن ترسم ملامح مرحلة جديدة في الحرب الدائرة منذ أكثر من عامَيْن. المحاور الثلاثة التي تشغل غرف القرار هي: استخدام الأصول الروسية المجمّدة لدعم كييف، وتعزيز الدفاعات الجوية في مواجهة الهجمات الروسية الكثيفة، وأخيراً -وربما الأهم- القرار الأميركي المرتقب بشأن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» البعيدة المدى، وهي الخطوة التي قد تغيّر قواعد اللعبة في الميدان، وتعيد رسم معادلة الردع بين موسكو والغرب.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي تحدث إلى نظيره الأميركي دونالد ترمب قبل أيام، ويستعد للقائه مجدداً في البيت الأبيض، أبدى تفاؤلاً بأن تسوية الحرب في غزة تثبت أن وقف الحرب في أوكرانيا ليس مستحيلاً. لكن خلف لغة التفاؤل هذه تدور معركة دبلوماسية معقّدة. زيلينسكي طلب رسمياً الحصول على صواريخ «توماهوك»، مؤكداً أن تمكين بلاده من هذا النوع من التسليح سيمنحها القدرة على ردع موسكو ووقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة. أما ترمب فأعلن أنه «اتخذ نوعاً ما قراراً»، لكنه يريد أولاً أن يعرف كيف ستستخدم كييف تلك الصواريخ، في إشارة إلى القلق الأميركي من تصعيد ميداني قد يمتد إلى العمق الروسي.

في موسكو، كان الرد سريعاً ومحمّلاً بالتحذيرات. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف إرسال «توماهوك» إلى أوكرانيا بأنه «مرحلة نوعية جديدة من التصعيد»، محذراً من تدهور خطير في العلاقات مع واشنطن. فالصواريخ الأميركية التي يبلغ مداها ما بين 1500 و2000 كيلومتر، قادرة على الوصول إلى معظم أنحاء روسيا الأوروبية، بما في ذلك موسكو وسانت بطرسبرغ ومراكز عسكرية وصناعية استراتيجية. ويخشى الكرملين من أن تُمكّن هذه القدرات كييف من تنفيذ ضربات دقيقة على عمق غير مسبوق داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك منشآت النفط والغاز التي تشكّل العمود الفقري لاقتصاد الحرب.

أما في واشنطن فيجري النقاش بين من يرى أن منح أوكرانيا «توماهوك» خطوة ضرورية لردع موسكو، ومن يحذّر من أن التصعيد قد يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين القوتَيْن النوويتَيْن. وتبرز في النقاش أيضاً تساؤلات عملية: كم عدد الصواريخ التي يمكن تزويد كييف بها؟ هل ستُطلق من البحر أم من منصات برية جديدة مثل نظام «تايفون» الذي تطوّره «لوكهيد مارتن»؟ وهل يملك الأوكرانيون البنية اللوجيستية لتشغيلها بكفاءة؟

الولايات المتحدة أنتجت منذ التسعينات نحو تسعة آلاف صاروخ «توماهوك» بتكلفة تتجاوز المليون دولار للواحد. وتحتفظ «البحرية الأميركية» بمعظمها على متن سفنها وغواصاتها المزودة بأنظمة إطلاق عمودية. لكن تحويل جزء منها إلى أوكرانيا يتطلّب قراراً سياسياً كبيراً وتنسيقاً مع الحلفاء، لا سيما أن دولاً أوروبية؛ مثل: هولندا، وأستراليا، وبريطانيا، واليابان، تمتلك هي الأخرى هذا النوع من الصواريخ.

من وجهة نظر عسكرية، يؤكد خبراء أن «توماهوك» وحده لن يحسم المعركة. الأدميرال الأميركي المتقاعد مارك مونتغومري يرى أن الفاعلية الحقيقية تتحقق فقط إذا زُوّدت كييف بأعداد كبيرة تتجاوز 400 صاروخ، وأن الأفضل هو الجمع بين «توماهوك» ومنظومات أخرى مثل «ERAM»، وهو سلاح جوال جديد بمدى متوسط يمكن إطلاقه من طائرات «ميغ» و«سوخوي» أو حتى من مقاتلات «إف-16»، فالمزج بين هذه القدرات من شأنه أن يمدّ ساحة المعركة ويضعف خطوط الإمداد الروسية وقيادة قواتها المنتشرة على مسافات بعيدة.

ويشير محللون استخباراتيون إلى أن رمزية القرار الأميركي لا تقل أهمية عن أثره العسكري. فالموافقة على تسليم «توماهوك» ستُقرأ في كييف بوصفها رسالة سياسية قوية بأن واشنطن لم تتراجع ولن ترضخ للتهديدات الروسية، بل ستواصل دعم أوكرانيا حتى النهاية. ويقول أحد المسؤولين الأميركيين السابقين إن «الكرملين اعتاد إطلاق التهديدات من دون أن يترجمها إلى أفعال»، مستشهداً بتحذيرات موسكو السابقة عند تسليم كييف صواريخ «أتاكمز» وطائرات «إف-16»، أو عند انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو»؛ وكلها لم تؤدِّ إلى رد فعل مباشر.

لكنّ ثمة من يرى أن تجاهل التحذيرات الروسية قد يكون مغامرة، فالتاريخ يُظهر أن موسكو تميل إلى الرد بطرق غير متوقعة، سواء عبر الحرب السيبرانية أو عبر جبهات أخرى مثل البحر الأسود أو حتى مناطق نفوذها التقليدية في آسيا وأفريقيا. ومع ذلك، يؤكد معظم المراقبين أن الكرملين اليوم في وضع دفاعي صعب بعد سلسلة من الضربات التي استهدفت منشآته النفطية وقواعده الجوية داخل الأراضي الروسية، وبعضها نُسب إلى طائرات مسيّرة أوكرانية طويلة المدى.

في هذا السياق، تبدو صواريخ «توماهوك» بالنسبة إلى كييف أكثر من مجرد سلاح جديد؛ إنها ورقة قوة سياسية قد تمنحها اليد العليا في أي مفاوضات مستقبلية. فتمكين أوكرانيا من توسيع مدى ضرباتها سيضع موسكو أمام معادلة مختلفة: إما القبول بتسوية تقلّص مكاسبها الميدانية، وإما مواجهة حرب تستنزفها في عمقها الجغرافي والاقتصادي.

المحصلة أن القرار الأميركي المنتظر لا يقتصر على الجانب العسكري. إنه اختبار لمتانة الإرادة الغربية في مواجهة الضغط الروسي، ولقدرة واشنطن على قيادة تحالفها الأوروبي عند مفترق حرج من الحرب. فإذا مضت الإدارة الأميركية في تزويد كييف بـ«توماهوك»، فستكون قد فتحت باباً جديداً من التصعيد، لكنه في المقابل قد يعيد رسم ميزان الردع لمصلحة أوكرانيا، ويمنحها ما كانت تبحث عنه منذ بداية الحرب: القدرة على الرد في العمق الروسي وإجبار موسكو على التفكير مجدداً في تكلفة استمرارها في حرب لا نهاية قريبة لها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا وروسيا ملامح مرحلة جديدة في الحرب أوكرانيا وروسيا ملامح مرحلة جديدة في الحرب



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon