مصر ترييف السياسة

مصر: ترييف السياسة

مصر: ترييف السياسة

 لبنان اليوم -

مصر ترييف السياسة

مأمون فندي

في مصر، ليس ممكنا أن نبني عمرانا سياسيا، ولكن يمكننا بناء سياسة تحكمها العمارة من أجل خيال جديد لما هو مدني في مجتمع ما بعد الثورات الجديد، وفي ما نظنه ونتأمله على أنه الدولة الجديدة. ترى لماذا نسينا المدني في توصيف وظيفة «المهندس المدني»؟ ولماذا نسينا المدنية في «الهندسة المدنية» وبنينا ما يشبه القرى الريفية والمجتمعات المغلقة في التجمعات القاهرية من القاهرة الجديدة إلى مدينة أكتوبر والتجمع الخامس إلى آخر هذه المجتمعات المغلقة؟ وهل وجود حملات المرشحين ومقارها في تلك التجمعات أو المنتجعات فيه إعادة لتعريف ما هو داخل السياسة وما هو خارجها.. أي إعادة تعريف للدولة بصيغتها الجديدة؟ وما هو حجم المدنية في تلك الدولة الجديدة التي يحكمها عمران التجمعات والمنتجعات؟ هل معنى التجمعات المحيطة بالقاهرة وانعزال النخبة الحاكمة هو أن الدولة أدارت ظهرها للقاهرة القديمة كنوع من الإهمال والتجاهل.. أم أن الداعم الدولي، من أوروبيين وأميركيين، هو من فرض فكرة الخروج من القاهرة إلى الصحراء المحيطة؟
كان رئيس «الإخوان» محمد مرسي يسكن في التجمع الخامس، وكان مكتب الإرشاد على ربوة المقطم. ولكن ليس مرسي وحده من خرج، فقد خرج من قبله نظام مبارك إلى المدن الجديدة. ودائما في الخروج المصري رسائل سياسية عن النظام القديم وعن طبيعة النظام الجديد. فقد خرجت من قبل ملكة مصر الجميلة نفرتيتي مع إخناتون من طيبة (الأقصر حاليا) إلى تل العمارنة في المنيا في 1335 قبل الميلاد، وكانت أسباب الخروج عقائدية، حيث تحولت عبادة المصريين من عبادة آمون إلى عبادة قرص الشمس أو آتون. والعمارنة رغم أنها تقع ضمن محافظة المنيا، فإنها أقرب إلى أسيوط حيث تقع نحو 58 كيلومترا جنوب المنيا. ولم يكن خروج إخناتون هو الخروج الوحيد، وإنما خرج موسى وقومه، وكان خروجا مختلفا، لكن الفكرة هي أن في الخروج سياسة ومعمارا. خروج النخب المصرية اليوم، والتي يرتبط معظمها بعصب الدولة، ليس كخروج موسى، فلا طور هناك، وخروج جماعة التجمعات ليس كخروج مبارك وعائلته إلى شرم الشيخ، فقد كان خروجا كبيرا أدى إلى انعزال الفرعون عن الكهنة، فسقطت الدولة في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011 وما بعده.
خروج مبارك إلى شرم، وخروج مرسي و«الإخوان» إلى التجمع الخامس والمقطم، والآن تدار حملة المشير عبد الفتاح السيسي من التجمع الخامس، وحملة حمدين صباحي من مزرعة جرانة حيث كان يقيم البرادعي.. كله خروج يطرح تساؤلات عن طبيعة الدولة الجديدة.. فهل ستكون كالبيوت القديمة في الجمالية حيث ولد السيسي وترعرع، وهي بيوت نوافذها على الداخل، أم أنها عمارة جديدة ترغب في البعد عن زحام القاهرة وصخبها من أجل هدوء المنتجعات، وفي هذا معنى إدارة ظهر الحكم للدولة والمجتمع؟
المشير السيسي في لقائه مع شرائح المجتمع المختلفة قال إنه يحس بالفقراء ومن يسكنون في العشوائيات.. ولكن من يديرون الدولة يسكنون في المجتمعات المغلقة. الأغرب في الأمر أن حملة المشير السيسي في التجمع لا تذهب إلى الوطن، بل يذهب الناس إلى مقرها في التجمع فرادى ومجموعات، في ظاهرة تشبه الحج السياسي. مفهوم أن المتطلبات الأمنية للمشير عالية، وأنه مطلوب من «الإخوان» والجماعات الإرهابية، ولكن أيضا البقاء في التجمع الخامس رسالة سياسية لها دلالتها الخطيرة على طبيعة النظام السياسي القادم.
لن يكون النظام السياسي القادم مدنيا، مثلا، فلا مدانة في التجمعات أو المنتجعات المغلقة، فالمنتجعات هي نوع جديد من ترييف السياسة. في السابق كان أهل القاهرة يشكون من تجمعات عشوائية، مثل إمبابة وبولاق... إلخ، على أنها تُريّف المدينة، أو تحول الحاضرة العربية الكبرى المعروفة بالقاهرة إلى تجمعات ريفية. خطورة الأولى كانت ترييف المدينة، أما خطورة التجمعات فهي ترييف السياسة. في ترييف المدينة غزو من الريف إلى صرة الحكم من أجل تحقيق بعض المطالب، أما في حالة التجمعات المغلقة فالحكم يهمش ليس مجتمعات المهمشين في العشوائيات فقط بل يهمش المدينة كلها.
بالطبع يجب ألا نحمل النظام السياسي المصري وحده فكرة الخروج من المدينة إلى صحراء التجمعات التي أصبحت قرى صغيرة محصنة بسياج وقوات أمن، فالحقيقة هي أن الدول الداعمة لمصر مثل أميركا والاتحاد الأوروبي هي من أوحى للنظام بفكرة الخروج، ومخطط القاهرة 2050 يحمل تلك البصمات الأجنبية. إذن فكرة الخروج ليست فرعونية تماما، وإنما فكرة فرضتها طبيعة المساعدات الخارجية لمصر ومتطلباتها.
ترى ما علاقة العمارة بالحملات الانتخابية؟
عمارة التجمعات البعيدة تؤكد على مدلولات في العقل المصري، معظمها على الأقل ليست إيجابية. فالحملة القادمة من التجمع الخامس أو من مدينة أكتوبر تحمل معنى الحملات في الكتب القديمة، كما في حال الحملة الفرنسية أو حملات البوليس ضد الخارجين عن القانون. الحملة تأخذ المعنى السلبي هنا لأنها قادمة من بعيد ومن أماكن مغلقة غير معروفة للناس. كما أنه وفي حالة محمد مرسي كان هناك مثلث التجمع الخامس والاتحادية ومكتب الإرشاد في المقطم، ولم يعرف المصريون من أيها تدار البلاد. هناك قول أيضا بأن التجمع الخامس ما هو إلا واجهة معمارية، مثل واجهات بيوتنا في الصعيد والتي كانت بالطوب اللبِن لكن لها واجهة مزخرفة للعائدين من الحج مكتوبا عليها «حج واعتمر وزار قبر النبي».. لكن الواجهة لا تشبه البيت.
طبعا سيخرج أحدهم ويقول لك «في البعد قرب»، كما يقول المتصوفة، وقد يصدق نفسه، لكن الحقيقة أن بعد هذه الحملات الانتخابية عن الناس يجعل فكرة الدولة الجديدة ذاتها بعيدة. الحملات الانتخابية تركب السيارات من تلك المنتجعات المغلقة، وتسير في طريق القاهرة الدائري، أي حول المدينة، لتطل على الناس من مدينة الإنتاج الإعلامي عبر شاشات التلفزيون ولا تمر بالقاهرة كمدينة. إذن أين المدنية في الدولة القادمة التي لا تعرف من المدينة إلا الدوران حولها؟ وحتى فكرة الدوران حول القاهرة للذهاب إلى مدينة الإنتاج الإعلامي أصبحت أمرا مشكوكا فيه، حيث يتم استدعاء الإعلاميين إلى التجمع الخامس.
عمارة الخروج الإخناتوني أو الموسوي أو المباركي لا تبني دولة مدنية بالمعنى الواسع لفكرة المدانة السياسية والثقافية، بل تؤسس لدلالات التهميش والإهمال، وفي هذا خطر ليس بالقليل، إلا إذا كانت فكرة الخروج كما الفكرة الأميركية الفيدرالية. ولا أظن أن الدولة المصرية الهيدروليكية أو المجتمع النهري يتخلى عن مركزية الحكم، وفي هذا تكون فلسفة التجمعات مخالفة لطبيعة دولة النهر منذ قيامها من آلاف السنين.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر ترييف السياسة مصر ترييف السياسة



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon