الديمقراطية غير الليبرالية خيال روسي ــ صيني

الديمقراطية غير الليبرالية: خيال روسي ــ صيني

الديمقراطية غير الليبرالية: خيال روسي ــ صيني

 لبنان اليوم -

الديمقراطية غير الليبرالية خيال روسي ــ صيني

بقلم : أمير طاهري

مدفوعة بثقتها في تفوقها العسكري والاقتصادي، بدأت الكتلة التي ترسّخت حديثاً تحت القيادة الصينية في الترويج لما أطلق عليه الرئيس شي جينبينغ اسم «الحُكم الجديد»، باعتباره نموذجاً ينبغي الاحتذاء به ليس فقط لـ«الجنوب العالمي»، بل للعالم ككل.

بمعنى آخر، تأمل «الإمبراطورية الوسطى»، التي من المفترض أنها مدعومة من روسيا وعدد من دول أوراسيا، في توسيع نطاق المنافسة العسكرية والاقتصادية مع الغرب، ليشمل الصعيد السياسي ـ أمر لطالما حرصت على تجنبه بعناية لعقود، عندما بدا أن النموذج الديمقراطي الغربي في صعود.

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ادعت مؤشّرات منظمة «فريدم هاوس» وجود ارتفاع ثابت في عدد الدول التي تتجه نحو شكل من أشكال الديمقراطية. ومع ذلك، فإنه عبر السنوات الأخيرة، أظهرت تلك المؤشرات ودراسات أخرى أن المنحنى يتحرك عكس ذلك.

وبدأت فكرة النموذج المنافس بمحاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمّ أوكرانيا، بعد أن نجح في ضم أجزاء من جورجيا. من جهته، عبّر ألكسندر دوغين، المرشد الآيديولوجي لبوتين، عن اعتقاده بأن وقف «توسّع حلف ناتو» لا يعني قطع الصلة بالمبادئ الديمقراطية الأساسية، وإنما رأى أن روسيا وقوى أخرى مثل الصين يمكن أن تقدّم نسخة «منضبطة» أو «غير ليبرالية» من الديمقراطية، مقارنة بالنظام الغربي الفوضوي الذي تُستخدم فيه السلطة من قِبل جماعات ضغط ولجان مصالح لحساب فئات محددة.

للوهلة الأولى، بدا أن الديمقراطية «غير الليبرالية» كنموذج تستند إلى نقطة انطلاق قوية. وتكشف الأرقام عن أنه من بين الدول الـ15 التي أصبحت كيانات مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تتحوّل سوى ثلاث، والمعروفة باسم جمهوريات البلطيق، إلى بناء ديمقراطيات رأسمالية على الطراز الغربي، لتصبح دول كاملة العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو). ومع ذلك، لم يكن هذا أمراً مفاجئاً، فجميع الدول الثلاث، التي ضمّها ستالين، لم تفلح جهود صبغها بالصبغة السوفياتية بالكامل قط.

لا يرى دوغين بأساً مع بيلاروسيا، التي بقيت دولة على الطراز السوفياتي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بموسكو. ورغم بعض التأملات المناهضة لموسكو من ناحية النخب الحاكمة، فإن النظام السوفياتي ما زال النموذج القائم في كازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان وتركمانستان. أما جورجيا، فقد حاولت إضفاء صبغة «غربية» على نفسها، لكن اضطرّت إلى التراجع عام 2008، بعد أن غزا بوتين البلاد واستولى على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. والآن، عادت إلى دائرة النفوذ الروسي.

من ناحيتها، حاولت أذربيجان، التي تعصف بها أزمة هوية، أن تحافظ على النظام السوفياتي، بينما تبني تحالفاً مع تركيا وإسرائيل، بالإضافة إلى إقرار «علاقات خاصة» مع الولايات المتحدة مظهراً خارجياً. وحاولت أرمينيا أن تبتعد عن النموذج السوفياتي، لكنها اضطرت إلى التراجع عندما استدعت القوات الروسية لحمايتها من التهديد التركي - الأذري. والآن، تحاول التراجع مجدداً من خلال دعوة الولايات المتحدة إلى تأسيس حضور بارز عبر مشروع «ممر ترمب للسلام».

وربما تقلّص التدخّلات الصينية في المنافسة غير المُعلنة من أجل التفوق الآيديولوجي، من دور روسيا إلى مجرد دور مساعد. مع ذلك، ربما ترى الصين نفسها أن طموحها لتصبح بديلاً للنموذج الغربي للحكم، تحبطه الهند التي، بقيادة ناريندرا مودي، تتجه هي الأخرى لأن تصبح ديمقراطية غير ليبرالية.

كما تجابه آمال شي وبوتين في الترويج لنسختهما من الحكم، تحدياً أكثر أهمية من الشعبين الصيني والروسي اللذين، حسب كل التقديرات، لا يزالان يجدان جاذبية أكبر في أسلوب الحياة الغربي. تجدر الإشارة هنا إلى أن أكثر من 50 مليون صيني يسافرون إلى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية كل عام، لكنهم يتجنّبون بصورة واضحة روسيا ودول آسيا الوسطى المنتهية أسماؤها بـ«ستان»، ناهيك عن كوريا الشمالية. أما الروس، فقليل منهم من يُظهر رغبة في اكتشاف روائع ما يسمى «الإمبراطورية الوسطى».

من جهتهم، يحذّر بعض المحلّلين الغربيين من أن هزيمة شبه كاملة في أوكرانيا قد تدفع روسيا بين ذراعيْ الصين الشيوعية.

من ناحيتي، أشكّك في أن مثل هذا الأمر سيحدث. في إطار الفكر والثقافة الروسية، تظل الصين التهديد الرقم واحد. ويجب كذلك أن يؤخذ في الحسبان أن الاقتصاد الروسي ليس في وضع يسمح له بأن يبحث علاقات متوازنة إلى حد ما مع الصين.

لا يمكن للعلاقات الروسية - الصينية سوى أن تتخذ طابعاً استعمارياً جديداً، مع اضطلاع روسيا بدور مصدّر المواد الخام، من نفط وغاز ومعادن، ومستورد رَأسمال، سلع مُصنعة وحتى مستوطنين. الآن، يُقدَّر أن هناك نحو 3.3 مليون مستوطِن صيني يطوّرون مشاريع زراعية وصناعية خفيفة، معظمها في سيبيريا وعلى امتداد الحدود الصينية - الروسية.

ويكمن أكبر عائق أمام نموذج «الحكم الجديد»، الذي يروّج له شي وبوتين في التحول السريع الذي شهدته تقريباً جميع دول ما يُسمّى «الجنوب العالمي»، في ظل التوسع المذهل للطبقة الوسطى الناتج من تبنّي النظام الرأسمالي.

اليوم، في روسيا، وفي الصين، وفي كثير من دول «الجنوب العالمي»، نشهد أنماط استهلاك مادية وثقافية طورّتها الدول الغربية منذ القرن الثامن عشر. لقد بدا حتمياً أن تفرز الرأسمالية الديمقراطية في دول الغرب الويستفالية، والتي عاشت تحت نماذج للحكم لا تقل استبداداً أو غياب ليبرالية عما لدينا في الصين وروسيا اليوم.

قبل عقدين، حاولت الطبقات الوسطى الناشئة في الصين وروسيا أن تقلّد الجوانب السطحية للنموذج الغربي. أما اليوم، لا يزال سياح صينيون يصطفّون في الشانزليزيه من السابعة صباحاً لـ«التهام» متاجر الأزياء الباريسية الفاخرة. إلا أنه في يومٍ من الأيام، لم أصدق عينيّ عندما رأيت نحو ستة سياح صينيين يملأون سلال التسوق بتسِجِلّات موسيقية، وأسطوانات «دي في دي»، وكتب.

وبررت شابة صينية نحيلة ذلك بنبرة لم تخل من اعتذار بقولها: «إنها هدايا لأجل أصدقاء في الوطن».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية غير الليبرالية خيال روسي ــ صيني الديمقراطية غير الليبرالية خيال روسي ــ صيني



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon