عاشت الديموقراطيّة اللاليبراليّة

عاشت الديموقراطيّة اللاليبراليّة!

عاشت الديموقراطيّة اللاليبراليّة!

 لبنان اليوم -

عاشت الديموقراطيّة اللاليبراليّة

بقلم : حازم صاغية

«تعثّر الديموقراطيّة الليبراليّة»، بل «فشلها»، صار خبراً يوميّاً. فانهيار الكتلة الشرقيّة، قبل ربع قرن، مهّد لطيّ المسألة الاجتماعيّة وطمسها، ولصعود ظافر حقّقته النيوليبراليّة الموصوفة، عن حقّ، بالوحشيّة. ولئن بات مُجمعاً عليه أنّ هذين التعثّر والفشل يتجلّيان في ظاهرات كضمور أحزاب الوسط البرلمانيّة، وتراجع نسب المقبلين على الاقتراع، وانتعاش قيادات «يمينيّة» و»يساريّة» تغزو المتن من الهوامش، فإنّ ظاهرة أخرى، أبعد وأخطر، تسطع على نطاق عالميّ. إنّها الديموقراطيّة اللاليبراليّة.

والجيّد في هذا السيئ، ذاك الميل إلى استبعاد الاحتمالات الفاشيّة والتوتاليتاريّة التي عرفتها الثلاثينات، وهو ما يستحقّ دائماً التوقّف عنده والانتباه إليه. إلاّ أنّ الانتكاس إلى الديموقراطيّة اللاليبراليّة سيّئ، هو الآخر، بما فيه الكفاية.

والظاهرة هذه مفادها أنّ الاستفتاء الشعبي حول قضيّة حارّة قد يلعب دوراً بالغ التقريريّة، دوراً يتيح للحاكم المنتخب أن يتعدّى تفويضه الديموقراطيّ، فيستأثر بالدولة وبالعمليّة الاقتصاديّة وبمعظم المفاصل الإعلاميّة في وقت واحد. وحينذاك، تحلّ الرأسماليّة المحلّيّة أو الوطنيّة التي تمسك بتلابيبها الدولةُ وزعيمُها، في حال وجوده، محلّ الرأسماليّة التي تتخطّى عتبات الحدود الوطنيّة إلى حدود مفتوحة. فالديموقراطيّة اللاليبراليّة، إذاً، أكثرويّة وشعبويّة ومباشرة وذات قضيّة مركزيّة مرموز إليها غالباً بقائد منتخب، إمّا مناهض لـ»الغرب»، أو متحفّظ على حرّياته الثقافيّة أو على انفتاحه الاقتصاديّ، أو مشكّك في تآمريّته التي لا تتعب. ففي هذه المسافة، يقيم كنز تعبويّ لا يفنى، قابلٌ للاستخدام في أيّة لحظة تستدعيها مصالح السلطة «السيّدة» أو زعيمها.

وهذا إذا ما تقاطع مع بعض ما شهدته الثلاثينات الفاشيّة، فإنّه يجد ما يغريه في الاتّجاه الجديد الذي يتطوّر في الصين: فمنذ تولّي لي ككيانغ رئاسة الحكومة، قبل سنوات ثلاث، راحت تتضخّم المشاريع التي تملكها الدولة ويتعاظم دور الحزب الشيوعيّ في تسيير تلك المشاريع وتوجيهها، فيما تنحسر الوجهة السابقة التي تزكّي اختلاط المشاريع الحكوميّة والخاصّة.

وبدورها، تقدّم إيران بواجهتها الانتخابيّة الصاخبة في ظلّ «ولاية الفقيه» وهيمنة القطاع العامّ على ثلثي الاقتصاد الوطنيّ، تنويعة مشجّعة أخرى عن هذا النمط السياسيّ وعن قدرته على الديمومة.

لكنّ بلداً عراقته في الديموقراطيّة الليبراليّة عراقة بريطانيا، باتت رئيسة حكومته الجديدة تيريزا ماي توصف باستلهام جوزيف تشامبرلين، السياسيّ الفيكتوريّ الذي عُرف، بين ما عُرف به، بالحذر من حرّية التجارة والأسواق المفتوحة. وفي فرنسا، يعمل الرئيس السابق، والطامح الرئاسيّ، نيكولا ساركوزي، إلى تحويل «البوركيني» قضيّة يمتطيها إلى رئاسة بلا ضفاف، فكأنّه، في هذا، يتتلمذ على محمّد مرسي.

وعلى العموم، يمكن أن نعثر على ملامح من الديموقراطيّة اللاليبراليّة في بلدان ديموقراطيّة كإسرائيل في ظلّ بنيامين نتانياهو، أو الهند في ظلّ ناريندرا مودي. ففي الحالتين، يجتمع العداء للنُخب والنخبويّة إلى النفور من الكوزموبوليتيّة التي سبق للستالينيّة أن أبدعت في هجائها.

ويكفي، والحال هذه، أن نستعرض سريعاً أبرز حالات التحوّل التي شهدتها السنوات الأخيرة نحو الديموقراطيّة اللاليبراليّة، وإنْ غلّب بعضها هذا الملمح منها على ذاك.

فتايلندا بلغ بها الأمر أن استنجدت بالطرق القديمة في «تصويب الديموقراطيّة»، أي بالانقلاب العسكريّ الذي نُفّذ في أواسط 2014، فعيّن قادته برلماناً ما لبث أن انتخب الجنرال بريّوث شان أوشا رئيساً للحكومة.

وفي بولندا، ومنذ العام الماضي، يحكم «حزب القانون والعدالة» وزعيمه أندريه دودا بأكثريّة نيابيّة واضحة، هما المعروفان بالعداء «البريكسيتيّ» لأوروبا والتدخّل الفجّ في الإعلام. وقبل أشهر قليلة، وصل إلى رئاسة الفيليبين، بأكثريّة كاسحة، رودريغو دوترتِ، المتّهم برعاية ميليشيات مسلّحة، بـ»برنامج» أمنيّ يتوعّد بـ»تطهير» البلد من الجريمة. وقبل عامين، وبأكثريّة 45 بالمئة، عاد القوميّ الشوفينيّ فيكتور أوربان إلى رئاسة الحكومة الهنغاريّة، حاملاً على أوروبا، ثمّ على اللاجئين، ومعيداً تأميم قطاعات أساسيّة في الاقتصاد والإعلام.

أمّا تركيّا أردوغان، لا سيّما بعد المحاولة الانقلابيّة الفاشلة، ومصر السيسي منذ قيامها، ونيكاراعوا أورتيغا الذي عاد طبعه الثوريّ الاستبداديّ ليغلب تطبّعه الديموقراطيّ، وماليزيا نجيب رزّاق، وإثيوبيا هايله مريم ديساليغنه...، فتتشاطر معظم السمات الآنفة الذكر.

ولو تسنّى لهؤلاء الديموقراطيّين اللاليبراليّين أن يؤسّسوا أمميّة جامعة بينهم، لكان فلاديمير بوتين عميدها، لا ينافسه على هذه العمادة إلاّ دونالد ترامب في حال انتخابه (المستبعد) رئيساً لأميركا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاشت الديموقراطيّة اللاليبراليّة عاشت الديموقراطيّة اللاليبراليّة



GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 17:43 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كيف نربّي مناعة حيال إسرائيل؟

GMT 07:10 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان المُحيّد عسكريّاً والمصارحة المطلوبة بين اللبنانيّين

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

انطباعات أوّليّة وسريعة وغاضبة على هامش الحرب

GMT 18:52 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon